عبدالهادي راجي المجالي يكتب : عن "البنت" التي شَتَمَتْ .. و"عطاء الوطنية"

{title}
نبأ الأردن -


سؤال برسم الحب الوطني ليس إلا , أيهما أخطر على الدولة ووجودها البنت التي شتمت الأمن وصرخت أمس وتم تداول الفيديو الخاص بها مئات الألوف من المرات وتعرضت للهجوم والمطالبة بسجنها , وتبرأ منها الكل بما فيهم الحركة الإسلامية التي طالبت اليوم بعدم التعدي على الأجهزة الأمنية ، أم الطبقية السياسية الأردنية ..التي انتقلت بحكم الموقع من شقق طبربور وماركا والأشرفية إلى فلل دير غبار وعبدون والكمالية ؟
السؤال الذي يحيرني ، لماذا حين تندلع قضية مثلا مرتبطة بالحريات ...أو الإصلاح السياسي , أو مثلا الجندر ، أو دور المرأة ، أو مستقبل العلاقات العربية الأوروبية تتنطح هذه الطبقة وتستولي على الفضائيات ، وتبدأ في حقن المجتمع بالنظريات ، وتنصب نفسها راعية للوعي الوطني ..في حين أن السيادة الوطنية حين تمس أو حين ينقسم المجتمع تختفي عن الشاشات نهائيا ، وتمارس الصمت .
الأولى بالعقاب هي الطبقة السياسية الأردنية التي أنتجت ، والتي استفادت ماليا ونفوذا من الدولة ،وليس البنت صاحبة السلوك الصبياني ، الطبقة التي أقحمت في مجالس إدارات مؤسسات الضمان ، والتي منحت جوائز ترضية كمناصب في الدولة ، والتي اختارت الدول التي تتناسب مع جو العائلة كي يكون الوالد سفيرا فيها ، الأولى أن تحاسب هذه الطبقة ...التي أشبعتنا تنظيرا وخوفا على الوطن عبر لجان الإصلاح السياسي , وكانت نتائج اللجان كارثية للأسف .
لقد كنت من أكفأ الصحفيين قلما ومسارا في الأردن ، ولكن للأسف باسم النخبة والعقلانية نصبتم علينا الجهلة والأميين قادة في الإعلام , كنا من أخلص الناس للتراب والتاريخ والعرش والعسكر ، ولكنكم أحضرتم كل من قبض من السفارات وكل من انخرط بالأحزاب الثورية في بيروت وشتم البلد والنظام ، نصبتوهم علينا أئمة في الوطنية ووحدات قياس للمواطنة ...
كنا من  أكثر الناس استقامة ، لم نلتحف اليسار ونرتضيه بديلا عن الهاشميين ، لم نخضع لمغريات الفضائيات ، لم ننخرط في سلك حزبية معادية أو سلك مقاومة مرتهنة ، كان الأردن لدينا البوصلة والسكين والقمح والدم الخضيب ، وللأسف أحضرتم كل من نقلوا البندقية من كتف لكتف , جئتم بكل من انقلب على المباديء وعلى الأحزاب وعلى القضية , وصنعتم منهم سادة علينا , ووسمتمونا بمصطلحات الرجعية ، واتهمتمونا بأننا العائق في مسيرة التقدم والإصلاح ، بالمقابل كان المنقلبون هم ضمير الوطن ونبضه ونحن صرنا الرعايا .
كنت أنا شخصيا أشم التراب كل يوم ، كان الأردن عندي الحلم والحقيقة كان قلبي ودمي ، كانت عيوني إن لم تشاهد جباله والبيوت المعلقة على حواف الجبال في عمان أحس أني فقدت فروض الوطنية ، لكنكم أحضرتم من كان يشاهد الأردن فقط من شباك الطائرة ونصبتموهم وزراء علينا ، أحضرتم من كان يعتقد أن التطوير مرتبط بالثقافة الأوروبية فقط ، من استورد المشروع الفرنسي والطريقة البريطانية والتفكير الأمريكي ، أصبحوا هم السادة ونحن الخوارج ، صاروا هم يشرعنون ويخططون ويبنون البلد ، ونحن صرنا من بقايا قبيلة اغتالت قبيلة ..وثلة تبحث فقط عن الغنيمة .
لوثتمونا باسم العشيرة ، واعتبرتم صوت الربابة نشاز ا، وبيت الشعر صار جملة تطرق في الأغنية فقط , والشماغ من الممكن أن يتحول إلى زي ترتديه فنانة مغمورة في حفل صاخب .
البنت مدانة أعرف , ولكن المدانون في الحقيقة ، هم من نظروا للبلد غنيمة وللموقع علوا ، هم نصبوا أنفسهم كليبراليين وحداثيين ، وهم لايعرفون معنى الليبرالية ولم يقرأوا حرفا منها ، هم من قالوا عن أنفسهم النخبة ..أي نخبة تلك التي لاتعرف تيسير السبول ولم تقرأ عشيات وادي اليابس ولم تتبصر في مواقف حسين الطراونة ولاتعرف شيئا عن شمس الدين سامي ، ولم تقرأ تاريخ الأنباط ولا العمونيين ولا قصة ميشيع المؤابي .
لاتصبوا جام غضبكم على البنت ، لقد اكتفت بما طالها ، ولكن صبوا جام غضبكم على الذين بنوا بيوت عبدون من دمنا ، من ضرائبنا من عرق جباهنا ، على الذين سرقوا عرق أهلنا حين كانت (خو) هي عاصمة القلب ، وعاصمة البندقية ..واستبدلوا خو والمعسكرت بالبزنس بارك والبوليفارد .
إني أبكي عليك في القلب يا بلدي ، في القلب أبكي وكل ما في الجسد ينزف ...لقد منحونا الان عطاء الوطنية ، العطاء يا وطني رسى علينا ، لأن تلك الطبقة تظن أنه عطاء خاسر فمواقفهم تقاس فقط بالربح والخسارة ، وأنا سأحمل هذا العطاء ..سأحمل كل ذرة عرق من رجل أمن وأعتبرها الطهر والعطر ، سأحمل كل شعار في قلبي ، سأحمل الحراب وما دون الحراب ...نحن الذين ما زلنا نؤمن بالشبرية وبيت الشعر ونكتوي بظلم ديون البنوك وأزمة الراتب ، رسى عطاء الوطنية علينا ...وسنحملك يا بلد على أهداب العيون وفي محاجرها على الكفوف وفوق الرأس ..سنحملك يا بلد.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير