د. زهور غرايبة تكتب : خطاب التشويه السياسي بين السلطة والمعرفة – قراءة في تصريحات " مشوهه" ضد دائرة المخابرات

{title}
نبأ الأردن -
في سياق العمل السياسي، تلعب اللغة دورًا أساسيًا في تشكيل الرأي العام وإعادة توزيع السلطة بين الفاعلين المختلفين، وعندما يخرج أحد المسؤولين بتصريح يصف فيه دائرة المخابرات العامة بأنها "سجن"، فإننا لا نواجه مجرد رأي شخصي أو انتقاد عابر، بل نتعامل مع خطاب سياسي يحمل دلالات أعمق تتعلق بالسلطة وإنتاج المعرفة.
يرى ميشيل فوكو أن الخطاب ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو أداة لإنتاج المعرفة وإعادة تشكيل السلطة، والخطاب يحدد كيف نفهم العالم ومن يملك الحق في تعريف الحقيقة، وفي هذا السياق، يمكننا تحليل التصريحات باعتبارها محاولة لإعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع، من خلال إنتاج سردية جديدة عن المؤسسة الأمنية.
إن وصف دائرة المخابرات العامة بأنها "سجن" ليس مجرد استعارة بلاغية، بل هو خطاب يعيد تشكيل وعي الجمهور حول هذه المؤسسة، ويخلق تصورًا سلبيًا عنها، بغض النظر عن مدى دقة هذا التوصيف؛ وفقًا لفوكو، فإن من يملك القدرة على تشكيل الخطاب، يملك القدرة على تحديد ما يُعتبر "حقيقة" في المجال العام.
باستمرار تقوم الدولة، عبر مؤسساتها المختلفة، بإنتاج خطاب رسمي يعرّف دور الأجهزة الأمنية، ويؤكد على شرعيتها ودورها في حفظ الأمن، في المقابل، تأتي تصريحات رعناء لتقدم خطابًا بديلًا، يهدف إلى زعزعة هذا التعريف الرسمي، واستبداله بسردية جديدة تعيد تشكيل تصور الناس للمؤسسة الأمنية.
لكن السؤال هنا: هل يملك من أطلق التصريحات الأدلة والمرجعية اللازمة لإعادة تعريف دور المخابرات العامة؟ أم أن خطابه لا يعدو كونه ممارسة شعبوية تستهدف استثارة مشاعر الناخبين وتحقيق مكاسب سياسية ضيقة؟ ووفقًا لفوكو، فإن الخطاب ليس محايدًا، بل يرتبط دائمًا بصراعات السلطة، وهذا التصريح يمكن تفسيره ضمن معركة أوسع حول من يملك "الحقيقة" في المجال السياسي.
ولا يمكن أبدا النظر إلى هذا التصريح بمعزل عن سياقها السياسي والاجتماعي، فالخطاب السياسي، خاصة عندما يصدر من شخصية تملك موقعًا رسميًا، لا يظل مجرد كلمات عابرة، بل يساهم في إعادة تشكيل المزاج العام، وربما يؤدي إلى إضعاف ثقة المواطنين في المؤسسات الأمنية.
إذا تُركت مثل هذه التصريحات دون مساءلة، فقد يؤدي ذلك إلى خلق بيئة من التشكيك المستمر، حيث تصبح المؤسسات الأمنية موضع جدل وتشكيك دائم، ما قد يُضعف فاعليتها ويؤثر على أدائها. 
إذ أن فوكو يشير إلى أن الخطاب لا يعمل فقط على مستوى الكلمات، بل ينتج ممارسات وتفاعلات اجتماعية حقيقية، وهذا ما يجعل التصريحات ذات تأثير يتجاوز لحظة النطق بها.
في ظل جميع المعطيات، يصبح من الضروري مساءلة الخطاب السياسي الذي يقدمه بعض المسؤولين، خاصة عندما يتعلق الأمر بمؤسسات حساسة مثل الأجهزة الأمنية.
حرية التعبير مكفولة، والنقد البناء ضروري، لكن هناك فرقًا جوهريًا بين ممارسة النقد استنادًا إلى الحقائق، وبين تبني خطاب شعبوي يهدف إلى تقويض الثقة في مؤسسات الدولة.
على من يطلق التصريحات نفسه أن يتحمل مسؤولية ضبط خطابه الداخلي، وألا يسمح باستخدام منصاته لإطلاق تصريحات غير مسؤولة، كما أن على الإعلام والمجتمع المدني أن يمارس دوره في تحليل الخطاب السياسي، وكشف أبعاده الحقيقية، بدلاً من التعامل معه كحدث عابر.
وفي النهاية، يمكننا القول إن السلطة ليست مجرد قوانين ومؤسسات، بل هي أيضًا إنتاج للمعرفة والسيطرة على الخطاب العام، لذلك إذا كان هناك أي انتقاد موضوعي لدور المخابرات العامة، فمن الواجب تقديمه بأسلوب مؤسسي يستند إلى الحقائق والأدلة، لا عبر إطلاق عبارات فضفاضة تثير البلبلة وتضعف الثقة العامة، وكما يقول فوكو، فإن من يتحكم في الخطاب، يتحكم في السلطة – وهذه مسؤولية لا ينبغي أن تُترك للخطابات الشعبوية والمزايدات السياسية.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير