ميسر السردية تكتب : أطفال وأقوال

{title}
نبأ الأردن -
في سنة 1948 اكتشف العالم التربوي الألماني أوتوفوجل أن إحدى القرى المجاورة لمدينة إسن بحوض الرور تحترق فيها سلال القمامة لسبب غير واضح. فليس من عادة هذه المنطقة إحراق المهملات دون إشراف أحد. فسأل: ولم يجد جوابًا مقنعًا. وقيل له: "بعض الأطفال يفعلون ذلك". لكنه، كعالم اجتماعي، لا يريحه هذا الجواب، بل هذا الجواب إعلان صريح عن مشكلة من الممكن أن تكون أكبر، أو أنها أحد أعراض مشكلة قد تكون أعمق.

ويقول أوتوفوجل في كتابه "الأخطاء الصغيرة في الحياة اليومية - بحث نفسي اجتماعي ميداني": "لقد وجدت أن الذين يفعلون ذلك أربعة أطفال من أسرة واحدة. بالدراسة، وجدت أن أحد إخوتهم قد سقط في إحدى المداخن فمات. ومنذ ذلك الحين، وهؤلاء الأطفال يريدون تحويل القرية كلها إلى مدخنة، لعل الناس جميعًا يموتون فيها". وعثرت أيضًا على طفل قال إنه سمع هذه العبارة من أمه. وطفل آخر يقول إنه سمع هذا المعنى من والده وكان مخمورًا.

وفي دراسة عن هتلر للكاتب الألماني فريد لاندر، يقول: "لو استطاع هتلر أن يضع أصابع قدميه في فمه وهو صغير، لإنقذت البشرية من الحرب العالمية الثانية!" فهتلر الطفل قد حُرم من رعاية أمه. وكان يجد كل شيء بعيدًا، ولكي يجعله قريبًا، لابد أن يكون عنيفًا. أي أن هذه الأشياء الصغيرة الضارة يجب أن نبحث عنها في البيت، عند الأم.

وفي كتابه "يليق ولا يليق"، يقول د. إسبوك - وهو من أحسن من كتب عن أطفال العصر الحديث -: "إن مشكلة فيتنام نفسها تبدأ من الطفل الذي ألقى السم لكلب ووقف يتفرج عليه. ما الذي يمكن أن يحدث له؟" ويضيف: "إن جونسون نفسه قال لي: إنه لن يكون هناك تصعيد لحرب فيتنام. وصدقته، ولكنه كان طفلًا أمريكيًا، فعل بالضبط ما توقعته وكرهته."

ويستمر الكاتب أنيس منصور - رحمه الله - بضرب الأمثلة في مقالته المطولة عن الطبيعة العنيفة للأطفال، والتي اقتبست بتصرف بعض ماورد بها، حتى يصل لذكر الخطيب الإفريقي ديموستين، الذي دخل مرة أحد بيوت أقاربه، فوجد طفلًا ينهال ضربًا على أبيه المريض. فقال عبارته المشهورة: "ويل للبيت إذا علت فيه أصوات الدجاج على صياح الديوك". ويقال إن ديموستين ذهب بعيدًا، وأمسك إناء من السم، وراح يغمس فيه قلمه، ثم يضع القلم في فمه ويقول: "ذهب كل ما قلته للكبار والصغار، إن الفم الذي ينصح الناس، ولم تنفع النصيحة، يجب أن يتجرع السم".

فمن هم هؤلاء الأطفال؟ هل هم الآباء الذين كانوا أطفالًا، أو الأبناء الذين سوف يصبحون آباء؟ إن العصر كله يأكل نفسه، ويهدم قيمه، ويقتل الآباء بيد الأبناء، ويقضى على الجميع، إلا إذا ظهر من يفسر لنا: لماذا يعض الأطفال الأيدي التي يرضع منها؟ ولا تقول الأمهات شيئًا!

تذكرت هذا المقال، الذي صدر في كتاب أنيس منصور "على أوراق الشجر"، والذي صدرت طبعته الثانية عام 1988، بعد محادثتي مع زميل حول إحراق الأطفال لزميلهم بمادة الكاز، وضرب عشرة أطفال آخرين لزميل لهم من ذوي التحديات الخاصة. ترى، لو كان كاتبنا الفيلسوف على قيد الحياة، ما الذي سيكتبه عن هؤلاء الأطفال، وبمن سيستعين لتشخيص هاتين الحادثتين.

هل يستعين مثلاً برؤية العالم الفرنسي ألبير جاكار، الذي استند فيها في كتابه (مديح الإختلاف، الوراثيات والبشر) إلى أن الشر والخير يرثهما الأطفال بواسطة الجينات الوراثية؟ ثم نختم بجملة جاكار الشهيرة: "ليس عندي حل، لا أريد أن أبني مجتمع الغد، أنا أريد أن يختلف عن مجتمع اليوم فقط".
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير