امل خضر تكتب: كأس الخذلان

{title}
نبأ الأردن -
 يُعتبر الخذلان إحساسًا عميقًا ومؤلمًا يضم عدّة مشاعر داخلية مُزعجة تعصف بصاحبه كخيبة الأمل، والإحباط الشديد، والذي قد ينجم عن تعرضه للمُعاناة والأذى النفسي بسبب الآخرين، أو بفعل استيائه من نفسه، أو نتيجة تلقيه صدمةً عاطفيةً قويّة كالخيانة، أو الإحساس بالوحدة وعدم وجود شخصٍ داعم وصادق يثق به ويستند عليه، أو إيمانه المُبالغ به بالآخرين الأمر الذي يجعله يبني سقف توقعات مُرتفع.ويتمنى الشخص بالآخرين دون دراسة شخصياتهم والتعمق بها بشكلٍ صحيح، فلا يوازن بين ما يريده ويتمناه، وما بين واقع وشخصيّة الطرف الآخر الحقيقية، فينتهي الأمر بسقوطه ضحيّة حسن ظنه وطيبته، وقد يكون الخذلان من أصعب المواقف التي تمر في حياة المرء، والتي تنعكس عليها العديد من الآثار السلبيّة المؤلمة، لكنّه لا يعني توقف الحياة وانتهائها. فالسعادة لا تدوم، والحياة مليئة بالعقبات والمواقف التي وإنْ سبّبت له الألم والأذى فهي تُقويه، وتزيد من رصيد خبرته، وتجعله يُحسن الظن والاختيار خاصةً عندما تصفعه وتمنحه درساً قاسياً يُنير بصيرته، ويفتح له عين الحقيقة؛ ليراها بوضوحٍ، فتُجبره على التعامل بحذرٍ أكبر في المرات القادمة. 
فمن منا لم يتجرع مرارة الخِذلان في كأس مكسورة الحواف؟ من منا لم تُهده أناملُ الحياة خيبة موجعة؟ الكلّ قد أخذ نصيبهُ من هذا وذاك، ولكن بنسب مُتفاوتة… وإن لم تكن قد وقعت في شرك غصّة هذا الشُّعور، فأسأل الله أن يجنّبك ومن تحب ذلك لما قد يخلّفه من وجع خُصّبَ بنطفة من خِذلان في خلايا الذّاكرة، إنّ الخِذلان في وقعِه على النّفس أقسى من أيّ شيء آخر، لأنّه نابع من مدى محبتِنَا وثقَتنا بالطّرفِ الآخر، فكلّما كان الشّخص قريبا كلّما كان الألم والخيبة أكبر، وكلّما كان وقعُه على النّفس أعظم، حين تأمل وترتجي منهم فيصفعونك بخيبة تلو الخيبة، حين تتعاملُ معهم بكلّ حب، وتعيش معهم بصدق، تشاركهم أحزانك وأفراحك، ونفس الشيّء تفعل إن تعلّق الأمر بهم، تتشاركون التّفاصيل الصغيرة كأوّل خطوة لك في الحياة، أول حرف، أوّل دمعة وأوّل نجاح… والذّكريات حلوها ومرّها. وفي أوّل اختبار تنتهي كل تلك العلاقة، فيظهر لك زيفُها، وترتطمُ أنت بالواقع، واقع مرير كان صوب عينيك منذ البداية لكنّك كُنت غافلا فقرّرت بذلك أن لا تبصره .
الحياة لا تنتهي مع خيبة أمل يمكن أن نعيشَها، يكفي أن ندعس عليها بأقصى نضج نملكه ونضحك على خيباتنا، بل ونخيّب ظن من خذلونا فينا فلا شيء أقوى من قلوب تجرّعت مرارة الخيبات.
هُناك من يرى أنّ سبيل النّجاة من كلّ هذا هو أن تتغيّر مع من خذلوك، خاصّة وإن وجّهوا لك الصّفعة بدل المرّة عشرا، وأن تتوقف عن كونك شخصا نبيلا، فشخصٌ غير قادرٍ على أن يفهم كرمك معه لا يمكن إلا أن يكون شخصا لئيما وأقل بكثير من أن يصل إلى ما وصلتَ أنت إليه، إلى عُمقِ فهمِك للأمور ونظرتِك لها، نظرة أبعد من أن تدركها عيناه، أما أنا فأقول لك صوّب هدفكَ دائما إلى ما وراء هذه الحياة وخُذ بقوله تعالى:" فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ". لأنّ تلك الشوكة التي تريد وضعَها في حلقهم ستظلُّ عالقةً في حَلقك أيضا، وستعكّر أيّامك كلّما عصفتِ رياح الذّكريات… كُن باردا تكن بخير، فالخذلان سيجعلك قويا لدرجة أنّك لن ترفع درجة توقّعاتك بأحد، ليست سوداويّة ولكن استغناء عن العباد بربّ العباد.

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير