د. ماجد الخواجا يكتب: قانون الحق المكتسب

{title}
نبأ الأردن -
سأذكر هذه الحكاية التي توضح مفهوم الحق المكتسب، اشترى أحد المعارف شقة أرضية في منطقة طبربور منذ سنوات بعيدة، كانت المنطقة في بدايات إعمارها بالبنايات السكنية التي توالدت كالفطر في مختلف مناطق العاصمة، الشقة الأرضية لها تراس وتقع على ناصية شارعين، الحاويات كانت بعيدة عشرات الأمتار فقط عن تلك الناصية، كانت أول مرّةٍ نشاهد فيها كيس القمامة الذي فضّل أحد الجيران أو أحد أبنائهم اختصار المسافة والوقت فقام برمي الكيس جانب الحائط الخاص بالشقة مدار الحديث، حينها قامت الدنيا ولم تقعد على تلك الحادثة المشينة والمهينة حيث اعتبرت بمثابة الاستهانة بمن يسكن تلك الشقّة، إضافةً إلى أنها حادثة غير مسبوقة وغير معهودة خاصةً وأن البنايات حديثة والتجمع السكّاني آخذ في التشكّل، ثم بدأنا نشاهد كيسين فثلاثة أكياس، وتزايدت أكياس القمامة مع إلقاء الزوائد من البيوت عند الناصية، بحثنا عن حل لتلك المعضلة البيئية والجمالية والصحيّة، فقد أصبحت الناصية مجرد مكرهة صحيّة تتجمع فيها أكياس النفايات وتلقى كيفما كان وتتناثر محتوياتها على الرصيف وطرف الشارع، كان الرفض المطلق من أصحاب الشقق بأن توضع الحاويات قرب أية بناية، فكان الحل بأن تم وضعها فوق دوار صغير جداً، حيث أصبح الدوّار نفسه عبارة عن حاوية في مفترق الطرق وعلى شكل دائري مفتوح، ولم تنته مشكلة إلقاء أكياس النفايات عند ناصية الشقّة. فقد استمر إلقاء الأكياس بجوار الشقة وأصبح الدوار مكرهة صحية.
كنت أعمل في منطقة القويسمة شرق عمان، فكان خط سيري من صويلح إلى القويسمة مروراً بالنزهة ووسط البلد، حيث كان هناك زميل لي يسكن في النزهة، وأصبحت كل صباح أقوم بتوصيله إلى مكان العمل، والعودة مساءً إلى منزله. مع الاعتياد فقد لاحظت أنه يمتعض في حال تأخرت لدقائق عنه، لا بل أصبح يجاهر بالعتب والغضب للتأخير لدقائق، وهذا التأخير ينشأ عن أزمات السير الصباحية. فأجد نفسي أقدم له الإعتذار عن التأخير. لا بل عندما كنت أريد الحصول على إجازة أو مغادرة صباحية، كان يعتبر ذلك من المنغصات ومن السلوكات التي ينبغي علي عدم القيام بها.
أذكر أن أحدهم اعتاد التدخين بطلب السجائر من الآخرين، وكنت أنا أحد أولئك المستغفلين، فإذا صدف أنه طلب سيجارة ولم يكن معي حينها، فإنه يتبرم ويتذمر وربما يصرخ مطالباً بحقّه المكتسب.
كثيرون هم الذين يمارسون علينا يومياً حقاً مكتسباً يأخذ شكل الثقافة المعاشة، ويبدو أن الإنسان محكوم لما يعتاد عليه من ممارسات، مع التكرار والألفة تصبح تلك المنح حقوقاً غير قابلة للنقض أو الرفض.
فمن اعتاد على تجاوز الدور والطابور والانتظار، تتكرس لديه ثقافة الفهلوة، من اعتاد على الواسطة والمحسوبية يصير الاعتقاد عنده أن ذلك هو الطبيعي، من اعتاد على المخالفات المرورية معتقداً أن ذلك شيء مقبول، فهو لن يفهم أن ممارساته مرفوضة اجتماعيا وقانونيا وأخلاقيا.
قانون الحق المكتسب يدخل ويقتحم كثيراً من شؤوننا وتفاصيلنا الحياتية، بما يكفي لإنهاكنا واستباحتنا وأكل حقوقنا ممن يفترض أنهم المقربون لنا.
حاولوا أن تتوقفوا قليلاً وتتأملوا المحيطين بكم، ستجدونهم أولئك أصحاب الحق المكتسب.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير