د. بشير الدعجة يكتب: طلب يد العروس بين التقاليد والنفاق الاجتماعي : بين تباهي العريس وغياب الكرامة العشائرية

{title}
نبأ الأردن -
في المجتمعات العشائرية، تُعتبر مراسم طلب يد العروس من المناسبات الاجتماعية الهامة التي تعكس قوة الروابط العائلية ومكانة العائلة الاجتماعية... إلا أن هذا التقليد قد شهد في السنوات الأخيرة تحولات تُعبر عن تغيرات اجتماعية وأحيانًا نفاق اجتماعي، خاصة عندما يتم دعوة شخصيات ذات مكانة عشائرية أو مناصب حكومية لطلب يد العروس بدلاً من أفراد عائلة العريس....

تقليديًا، يتم طلب يد العروس من قبل أفراد عائلة العريس، حيث يقوم والد العريس أو شيوخ العائلة بزيارة عائلة العروس وتقديم طلب الزواج رسميًا... هذا التقليد يهدف إلى تأكيد الروابط العائلية وإظهار احترام العريس وعائلته لعائلة العروس... بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر حضور وجهاء وشيوخ العائلة ضمانًا لدعم العريس وإظهار مكانة عائلته الاجتماعية....

في بعض الحالات، يتم دعوة شخصيات ذات مكانة عشائرية أو مناصب حكومية  بمعنى آخر  (يستقرض ) لطلب يد العروس نيابة عن العريس وعائلته... هذا التحول قد يُنظر إليه كإهانة وتقليل من قيمة عائلة العريس ووجهائها، حيث يُفترض أن يكونوا هم المسؤولين عن هذه المهمة... تبرز هذه الممارسة نوعًا من التباهي والنفاق الاجتماعي، حيث يسعى العريس ووالده إلى إظهار معرفتهم بشخصيات هامة، بهدف تعزيز مكانتهم الاجتماعية وملء شعور بالنقص لديهم.....

النفاق الاجتماعي يظهر جليًا في مثل هذه المناسبات، حيث يُسعى لإظهار روابط غير حقيقية مع الشخصيات الهامة... يُمكن تفسير هذا السلوك كجزء من عقدة النقص التي يشعر بها بعض الأفراد، حيث يسعون لتعويض هذا النقص من خلال التباهي بمعرفتهم لشخصيات ذات مكانة عالية... ولكن، من المعروف أن المناصب تذهب مع أصحابها، ويبقى الاحترام الحقيقي والمكانة الاجتماعية مرتبطين بالأفعال والإنجازات الشخصية والعائلية....

هذه الممارسات  من وجهة نظري المتواضعة....تؤدي إلى تدهور القيم العشائرية والتقاليد الاجتماعية التي تحافظ على تماسك المجتمع... حيث يتحول التركيز من الروابط العائلية والاحترام المتبادل إلى التباهي بالمناصب والشخصيات... علاوة على ذلك، قد يشعر أفراد العائلة الذين تم تهميشهم بالإهانة وانخفاض مكانتهم الاجتماعية، مما يُضعف الروابط العائلية والتضامن بين أفراد العائلة.

في بعض المناسبات، نشهد حضورا مهيبا لجاهة طلب العروس، حيث يتجاوز عدد الحاضرين الـ 500 شخص... هذا العدد الكبير ليس بالضرورة تعبيرًا عن الاحترام والتقدير، بل يمكن أن يكون شكلاً من أشكال النفاق الاجتماعي والتباهي الذي يهدف إلى إظهار القوة والمكانة الاجتماعية ... هذا التصرف يغفل عن جوهر المناسبة الذي ينبغي أن يكون تعزيزًا للروابط العائلية والاحترام المتبادل بين العائلتين، ويحولها إلى استعراض اجتماعي فارغ...

التباهي بعدد الجاهة الكبير يعكس في بعض الأحيان عقدة نقص لدى بعض الأفراد، حيث يسعون لتعويض هذا الشعور من خلال جمع أكبر عدد ممكن من الناس، بغض النظر عن العلاقات الحقيقية أو الروابط الفعلية بينهم... هذا السلوك يؤدي إلى تمييع قيمة التقاليد العشائرية وتحويلها إلى مناسبات استعراضية، تفتقد للصدق والمودة الحقيقية... ومن المهم أن نعيد النظر في هذه الممارسات، وأن نركز على جوهر التقاليد الذي يتمثل في الاحترام والتواصل الحقيقي بين العائلات، بدلاً من الاستعراض الاجتماعي الزائف....

في النهاية، يجب أن نعود إلى قيمنا وتقاليدنا العشائرية التي تُعزز الروابط العائلية وتحافظ على مكانة واحترام كل فرد في المجتمع... النفاق الاجتماعي وعقدة النقص لن يُسهمان إلا في تفتيت المجتمع وتدمير قيمه الأصيلة... يجب على العائلات التمسك بتقاليدها واحترام أفرادها، وعدم السعي وراء تباهي زائف يزول بزوال المناصب والشخصيات... وللحديث بقية...
تابعوا نبأ الأردن على