د. ماجد الخواجا يكتب: 260 يوماً من ملحمية الدم

{title}
نبأ الأردن -
ربما لم يمر عبر التاريخ العربي المعاصر حرب/ عدوان / مذبحة/ إبادة/ تطهير عرقي، استمر كما هو الحال في غزة منذ السابع من تشرين الأول للعام 2023 وحتى الآن.
كانت جميع الحروب / الهزائم / سريعة مباغتة ونتائج غير محسوبة، ما بين النكبة ومجازرها، في عام 1948، إلى حرب السويس عام 1956 أو ما سميّ بالعدوان الثلاثي على مصر، إلى حرب هزيمة نكسة حزيران أو ما سميّ بحرب الأيام الستة، من عام 1967، إلى حرب رمضان أو ما سميّ بحرب السادس من أكتوبر وذلك عام 1973، وصولاً إلى حصار بيروت ومجازر صبرا وشاتيلا عام 1982 في لبنان والتي استمر الحصار فيها لثمانين يوماً، وجاءت حروب الجبل والجنوب وتجويع المخيمات في لبنان، إلى أن وصلنا للانتفاضة الأولى عام 1989، ولا ننسى تلك الحصارات والمجازر للمخيمات داخل فلسطين التاريخية، فكان تدمير مخيم جنين عام 2000، فدخلنا مرحلة الانتفاضة الثانية التي تواصلت بشكل متقطع داخل المدن والمخيمات في مناطق السلطة الفلسطينية، ودخلت غزّة بقوة على إحصائيات العدوان الصهيوني الذي أصبح عادةً سنوية خاصة بعد الإنسحاب من القطاع من قبل جيش الاحتلال وتفكيك المستوطنات التي كانت مزروعة داخل شريط القطاع وإعادة تموضعها على شكل حائط أو ما سميّ بغلاف غزة، حيث توالدت المستوطنات المحيطة والمحاصرة للقطاع منذ عام 2007 وحتى الآن.
في كل تلك الغزوات والحروب والحصارات والاعتداءات، كانت تستمر لأيامٍ أو أسابيع وفي أقصى حالاتها عديد من الشهور كما هو الحال في حصار بيروت، بل إن حصار بيروت وإن استمر لثمانين يوماً، إلا أنه لم تكن هناك حملات عسكرية وقتل وذبح وقصف عشوائي كما يحدث في غزّة الآن.
لم تتسم تلك الاعتداءات وإن امتازت بقسوتها وفظاعاتها وتوحشها، بما اتسمت به حرب غزّة الحالية، مما تتسم به الحرب الحالية، أن المبادرة كانت من الفلسطينيين بعد أن وصل الحال بهم إلى أردأ مستويات المعيشة والأمل بحلٍّ مرضٍ ومقبولٍ تقوم من خلاله دولة فلسطينية ذات سيادة واستقلال وشعور بالهوية والحرية، مع حل مشكلة اللاجئين الذين توالدت أجيالهم في الشتات وما زالوا ينتظرون العودة والتعويض.
لم يشهد جيش الاحتلال انكساراً في الروح المعنوية طيلة حروبه واعتداءاته كما هو الحال في الحرب الحالية.
لم يشهد الكيان تهديداً حقيقياً لمستوطنات شذّاذ الآفاق الذين يتم تجميعهم من شتات الأرض وإعادة زرعهم كنبتٍ شيطاني في أرض فلسطين، كما يحدث الآن عندما تم تفريغ كافة المستوطنات في محيط غزّة والشمال الفلسطيني من سكانها الغاصبين الذين أصبحوا مشردين خارج بيوتهم ومستوطناتهم.
لم يشهد تاريخ جيش الاحتلال خسائر بشرية كأسرى كما هو الآن، ولا خسائر قتلى وجرحى ومعاقين بهذا الحجم في مختلف حروبه السابقة.
لم يشهد جيش الاحتلال خسائر بالمعدات والأسلحة كما يحدث الآن، إضافةً إلى ما تستنزفه الحرب من موارد مالية واقتصادية وخسائر في الناتج القومي ومختلف القطاعات التجارية والصناعية والسياحية.
لم يكن متوقعاً هذا الصمود وتلك المقاومة الباسلة المستمرة لأكثر من تسعة شهور وما زالت تقاوم.
نعم هناك مذبحة وإبادة جماعية وحرب عبثية عشوائية تقترفها قطعان الجيش الصهيوني بحق المدنيين العزّل في غزّة، مع تسوية مبانيها بالأرض، مع إعادة القطاع عشرات السنين للوراء، مع غزارة الدم والقتل، مع موت التعليم والصحة ومناشط الحياة الاجتماعية، نعم فالأرقام في الجانب الفلسطيني مهولة ومفجعة، لكنها الحرب التي لا بدّ من دفع ضريبتها بالكامل، إنها الحرية والكرامة والنضال من أجل انتزاع الأرض والحفاظ على العرض.
260 يوماً لم تنم عين غزّي فيها، لم يحظ طفل باللعب في الحارة، لم يستطع طالب أو معلم أن يعود لقاعة الدرس، لم تكتمل عملية جراحية لمريض أو جريح، لم تستثن عائلة من الشهادة أو الاعتقال أو نسف البيوت أو التشرّد أو وجود جرحى ومرضى لا يجدون العلاج. تستحق فلسطين التضحيات التي بذلت وتبذل لأجلها.

تابعوا نبأ الأردن على