د. ماجد الخواجا يكتب:فكرة الديمقراطية الاجتماعية بين النقد والنقض

{title}
نبأ الأردن -
الحديث عن الفكر الديمقراطي الاجتماعي باعتباره نظرية سياسية اقتصادية واجتماعية، يأخذنا إلى أبعاد تاريخية وفلسفية لها وجهات نظر متباينة حيال هذا الفكر. فثمة من ألحق الديمقراطية الاجتماعية بالاشتراكية الديمقراطية أو الاشتراكية الاجتماعية، وغيره ألحقها بالرأسمالية الجديدة أو الإصلاحية، فيما ذهب اتجاه ثالث إلى أن الديمقراطية الاجتماعية هي منهج مستقل واضح المعالم ومؤطر بشكل لا لبس أو غموض فيه.
لقد تطور الفكر الديمقراطي الاجتماعي عبر عقود من الزمن، حيث كانت البدايات في محاولة تجميل وتعديل مسار الفكر الشيوعي عبر تبني الفهم الاشتراكي القائم على الديمقراطية، وظهر في الدول الغربية كمحاولات لإصلاح الفكر الرأسمالي وتهذيبه وأنسنته بعد أن أصبحت سمة التوحش بادية للعيان في مسار الرأسمالية.
وما بين النظرية الشيوعية القائمة على الثورية الديمقراطية التي تسعى للسلطة من خلال ديكتاتورية العمال « البروليتاريا» باعتبارهم الغالبية العظمى من مكونات المجتمع. فقد رأى المنظرون للفكر الشيوعي أن الاشتراكية نوع من الخيانة لهم، وأن الديمقراطية الغربية هي تزييف لإرادة الجموع عبر أدواتها غير الديمقراطية والتي تحقق نتائج لصالح من يمتلكون المال. لتأتي الديمقراطية الاجتماعية متخذة اتجاهات اليمين من الاشتراكية واليسار من الرأسمالية، حيث اعتبرها الشيوعيون نهجا تلفيقيا وليس توفيقيا، وأنها تجمع المتناقضات داخلها بحيث لا يمكن لها أن تتطور وتستمر بتلك الطريقة.
كذلك الحال عند أصحاب الرأسمالية، فقد التقوا مع الطرف النقيض من الشيوعيين، عندما اعتبروا هذا النهج الديمقراطي الاجتماعي بمثابة اتجاه لا اتجاه له، وأن أصحابه سيتلونون كالحرباء تارة في لبوس رأسمالي وتارة لبوس شيوعي واشتراكي.
من هنا جابه الفكر الديمقراطي الاجتماعي عداء مباشرا له من كلا الطرفين. بل ثمة من ارتدى الفكر الديمقراطي الاجتماعي على هيئة أحزاب سياسية ممن هم بالأساس من اليساريين في الفكر أو اليمينيين. فظهرت أحزاب كثيرة بأسماء متقاربة في عديد من الدول الشرقية والغربية، منها ما حمل اسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الاشتراكي الاجتماعي، الديمقراطي الاجتماعي، اليسار الديمقراطي، اليسار الاجتماعي، وهكذا.
إن هذا الفكر بالرغم من تطوره وترسخه عبر السنوات ومن خلال التجارب المتنوعة في المشاركة السياسية، ما زال يعاني من اتهامه بأنه نوع من الهجين السياسي، فهو ذو صبغة براغماتية واضحة، حيث عند الواقع سيجد أنه مضطر لاتخاذ أو تبني قرارات تخالف شيئا من مبادئه، لكنه يتذرع بأنه فكر متسع ومرن يمكن له احتواء النقيضين بنفس الوقت. لهذا ليس مستغرباً أن ينضوي تحت عضويته أطياف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار باستخدام ذات الذرائع.
إن الفكر الديمقراطي الاجتماعي يمكن اعتباره فكرا وسطيا بالفهم السياسي للوسطية والتي تعني الحياد الإيجابي، وهو بذلك يستطيع استيعاب واحتواء الكثير من المتعارضات في المجتمع. وهذه الميزة هي ذاتها المأخذ عليه.
عبر التاريخ المعروف للبشرية لم يتمكن أي فكر سياسي مطلق ثابت من الاستمرار والصمود عند التطبيق له على أرض الواقع إلا من خلال استناده للقوة والسلطة الجبرية. وما أن تنتهي القوة حتى يتلاشى تأثير الفكر ليصبح نوعا من الأدب والتراث والتاريخ.
دائما كانت ثمة إثنية متضادة في الحياة، ما بين الحرية والعبودية، النور والظلمة، العلم والجهل، الديمقراطية والديكتاتورية، الشيوعية والرأسمالية، وهذا الضدان يعيشان صراعا وجوديا في سبيل إثبات الأحقية بالوجود. لكن كان هناك ثمة ما يمكن تسميته بالنهج أو الطريق أو المسار الثالث التوفيقي المختلط المزدوج، والذي تتم فيه عمليات دمج وصهر لبعض الخصائص من كلا الاتجاهين، ليصبحا على هيئة جديدة تختلف كما ونوعا عما كانت عليه في السابق، ويأخذ المسار الثالث اللون السائد الخاص به اعتمادا على حجم طغيان أحد الاتجاهين في عناصره المنصهرة بداخل الاتجاه الثالث. وهذا ينطبق على الفكر الديمقراطي الاجتماعي، الذي قد يظهر بصبغة اشتراكية أو ثورية أو إصلاحية أو رأسمالية أو شيوعية. ولنا عودة.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير