د. ماجد الخواجا يكتب: ويتواصل الاستغفال
نبأ الأردن -
وسط زحمة الحياة وانشغالات البشر في تلبية متطلباتها الأساسية، يخرج علينا كل فترةٍ أشخاص يزعمون أنهم يريدون الخير لنا، عبر تقديمهم لفكرة أو مشروع تستند إلى مقولة شهيرة « طماع وقع مع كذاب»، فلا زلنا نتذكر بالحزن كيف تم استغفال آلاف المواطنين قبل عقدين من الزمان من خلال ما سميت حينها بفكرة «تدوير الخبز»، حيث كانت الفكرة بأن يقوم المواطن بجمع الخبز الزائد وتجميعه وتزويد تلك الجمعية بمجاميع الخبز مقابل المال، لتتطور الفكرة سريعاً جداً ويتم البدء بجمع الأموال تحت ذريعة استثمارها، إلى أن تتضخم القضية وتصبح معضلة وطنية كادت أن تؤدي إلى نتائج كارثية، وأغلق ملف الجمعية بعد أن تكبد المواطنون خسائر مالية بالملايين.
وجاءت أكبر عملية نصب واستغفال عبر ما سميت « البورصة» التي فرّخت عديد من الجمعيات والفروع لها في كافة المدن والقرى والتجمعات، عندما تنادى المواطنون يهرولون حاملين ما تيسر لهم من مدخرات أو مما تم بيعه أو حتى من الإقراض ليضعوا كل تلك الأموال في خزائن جمعيات توالدت كالفطر تزعم أنها تمنح المودعين لديها نسب مرابحة تتراوح ما بين 20-30% شهرياً، وهي نسب تجعل كل فردٍ يطمع في المشاركة بأية مبالغ من أجل تحقيق عوائد خيالية. وسمعنا عن الموكب الأسود لمركبات فخمة مع غرف ممتلئة بالعملات لصاحب احدى الجمعيات، إلى أن وصلت الحالة لمرحلة كادت تستنزف أموال المواطنين تماماً، ولم تنته الحكاية رغم مرور سنين طويلة عليها.
كما ظهرت فكرة « مشروع الشبكة أو الشجرة العنقودية» التي استندت إلى مخزون الفرد من العلاقات والمعارف والأصدقاء، حيث يحصل على نسبة من العائد عن كل شخص يتم استقطابه، وانتشرت الفكرة كالنار في الهشيم لأنها تعمل على تعزيز ودعم الأنانية الفردية القائمة على تحقيق أكبر عائد ولو كان على حساب أقرب المقربين. واستمرت لفترة طويلة لا بل ما زالت آثارها قائمة، عبر مشاهدة مندوبيهم على أبواب المحلات الكبرى يستوقفون الناس عارضين عليهم زيارة فندق وحضور فيديو عن منتجاتهم مع هدية لتشجيعهم، ويقوم المندوب بطلب مبلغ عشرة دنانير كتأمين مسترد عند الحضور.
ووصلنا إلى فكرة « التبريك والتعزيم» التي اختلفت قليلاً عن البورصة بكونها تعرض شراء الأراضي والمباني والمركبات بأسعار تزيد عن قيمتها الحقيقية مقابل إعطاء صاحب الأرض أو البناء شيكاً يتم صرفه بعد فترة طويلة نسبياً، وهي عملية جمع أصحابها الملايين قبل أن يتم إلقاء القبض عليهم.
والآن هناك من يدعو المواطنين لما تدعى بعقود المضاربة، والتي يتم فيها إيداع مبالغ لدى تلك الجهة / الفرد، الذي لا أعرف كيف يقوم بجمع الأموال دون ترخيص من جهة مالية ورقابية، وبدعوى أن المبالغ المودعة يتحقق لها أرباح شهرية تتراوح ما بين 20-25% ، حيث يلاحظ تهافت الناس على الإيداع لدى هذه الجهة والتي أتمنى من الجهات المختصة التحقق مما يقوم به قبل أن تقع الفأس في الرأس.
وأخيراً جاءت الضربة الجديدة المؤلمة التي استغلت حاجة وطموح الشباب في العمل وجني المال عبر تشجيعهم على محاولة الوصول إلى أمريكا بالطرق غير الشرعية، ومن خلال رحلة ممتدة منهكة وخطيرة وقد تنتهي بالحبس أو التشرّد أو حتى الموت، رحلة تبدأ من الأردن إلى تركيا إلى نيكاراغوا إلى هندوراس وغواتيمالا إلى المكسيك، وإلى طرق وأنفاق التهريب للولايات المتحدة. عملية حصدت فيها الجهات المتاجرة بالبشر وأرواحهم واحلامهم الملايين؛ حيث أن تكلفة الرحلة للشخص الواحد تصل إلى 10- 12 ألف دينار، وحيث هناك أخبار عن فقدان الاتصال بعديد من الذين قاموا بالرحلة القاتلة تلك. ويتواصل الاستغفال حيثما يوجد كذّاب دائماً يوجد طماع.

























