د.محمد نعمان يكتب: ماذا بعد الهجوم الايراني ؟

{title}
نبأ الأردن -
إن الناس الأكثر وعياً وإدراكاً لا يمكن أن يكونوا أشراراً، لأن الشر يتطلب غباء ومحدودية في التفكير.
تذكرت هذه المقولة للمفكر الفرنسي "سارتر" وانا استمع لما قاله الشرير "وزير الأمن القومي الإسرائيلي" إيتمار بن غفير ومطالبته حكومته المجرمة بضرورة إتخاذ "رد جنوني” على الهجوم الإيراني، الذي وقع يوم السبت 13 ابريل الجاري حيث أكد في بيان له: "من أجل إيجاد ردع في الشرق الأوسط، يجب أن يكون الرد جنونيا وليس فزاعة"
وكذلك كان رد وزير المالية سموتريتش بإنه لا يجوز ضبط النفس أمام إيران، وأن عيون الشرق الأوسط والعالم بأسره على دولة إسرائيل وتابع: "سوف نضع اسرائيل في خطر وجودي مباشر في حال ترددنا عن الرد”.
وبالنتيجة أجزم بأن إسرائيل لم ولن ترد الان بالرغم من كل هذه التصريحات الشيطانية .
لنعود لمحور الموضوع!!ونتسائل من هو المستفيد مما يحدث؟ولماذا لم تبادر إسرائيل لضربة إستباقية، وهل هذ الهجوم هو البداية أم النهاية لسيناريو قادم.
 بعض الأوساط تحاول القول بأن إسرائيل قد حققت نجاحا "طبعا بمساعدة حلفائها" في إفشال الهجوم وإسقاط الطائرات المسيّرة والعدد الأكبر من الصواريخ في إشارة واضحة إلى محدودية القدرات العسكرية الايرانية!!!
وتتحدث ايضا عن استعادة الكيان لزخم الدعم الغربي، وإعادة تشكيل المشهد بصرف الأنظار عن الجرائم الإسرائيلية في غزة ،وتعيد من جديد تصوير "اسرائيل المجرمة" بأنها دولة صغيرة تدافع عن نفسها من "الأشرار" المحيطين بها.

لكن هذا التصوير لِما حدث فيه قدر كبير جدا من المغالطة والسذاجة ويهدف إلى تعزير الوعي الإسرائيلي والإقليمي بالقدرات الردعية والعسكرية الإسرائيلية التي تأكلت منذ السابع من أكتوبر الماضي.
من جهتها إيران أرادت ضربة "مركبة" كما صرحت مسبقا بمعنى ان تكون هذه الضربة عسكريّة وسياسيّة أيضا،وتحظى بزخم إعلامي كبير"مع تحقيق أهداف عسكرية محدودة"من دون أن تؤدّي هذه الضربة إلى جرّها الى التصعيد ولحرب شاملة، بمعنى كانت الضربة مدروسة و"مناورة" غاية في الحذر تسعى إلى صياغة موقف ردعي جديد لا يتطور إلى حرب أو تعريض عمقها ومصالحها الإستراتيجية لاستهداف أميركي أو إسرائيلي.
ولهذه الاسباب لم بكن الهجوم مفاجئا !!
وأعتقد جازما بأن افتقاد عنصر المفاجأة لم يكن ناجما عن بعد المسافة بين إيران وفلسطين المحتلة كما يذهب البعض، بل كان مقصودا، والمؤشرات عليه صريحة وكثيرة، منها :
-الإعلان الأميركي المسبق عن موعد الضربة في الليلة نفسها.
-الاستنفار والهلع الإسرائيلي الواسع السابق للضربة بساعات.
-والإعلان المباشر من الحرس الثوري بمجرد إطلاق المسيرات،والإعلان الإيراني عن إطلاق الصواريخ سبق إطلاقها بالفعل.
وبالتالي فإن إيران نفسها تعمدت إلغاء عنصر المفاجأة.
وهذا يعني أن إيران تعمدت أن تكون الضربة بهذا القدر الذي سمته هي "محدودا ومنضبطا"،حتى تسحب من إسرائيل ذريعة ردّ أوسع، وتوفر للادارة الأمريكية فرصة إقناع إسرائيل بعدم الردّ السريع على العمق الإيراني.

أعتقد بأن تعمد إلغاء المفاجأة كان مقصودا ، وعدم استخدام الصواريخ والطائرات الايرانية الأكثر تطورا أيضا كان مقصودا ، وهذا أسهم في جعل الهجوم الكبير من حيث الكم محدودا من حيث النوع !!وكل هذا كان مقصود إيرانيّا.

إيران من جهتها لم تضرب "إسرائيل" بشيء لا تعرفه هذه الأخيرة أو لا تتوقعه، فبينما كشفت "إسرائيل" عن كل أوراقها الدفاعية لم تكشف إيران عن كل أوراقها الهجومية.
وهذه المناورة تخدم إيران من جهة استطلاعها للقدرات العسكرية الدفاعية لـ"إسرائيل" وحلفائها وكيفيات عملها، وهو ما يمكن أن تستفيد منه إيران تاليا هي وحلفاؤها في مواجهة أكثر جدية لو فرضت عليها.
وأخيرا كشفت الضربة آفاق القوى الفاعلة في الإقليم، لا سيما إيران والولايات المتحدة، وأكدت المؤكد بكونهما فعلا ليستا في صدد مواجهة أوسع وأشمل، ويمكن بهذه القراءة ملاحظة البعد الراهن المحدود للضربة ،بكونها حالة من التعادل النسبي أو رسم قواعد اشتباك جديدة بين الطرفين.
والبعد الإستراتيجي الذي يحتاج وقتا ليتكشف ويتضح أن جهدا أميركيًا ضد طهران من شأنه أن يشغل العالم الغاضب عن جرائم دولة الاحتلال في غزة!!!!


تابعوا نبأ الأردن على