سمير عبد الصمد يكتب: رسالة حب إلى "الأزرق"
نبأ الأردن -
الأزرقُ، هاشميَّةُ الولاءِ، أردنيَّةُ الانتماءِ، أزرقُ البسطاءِ الأقوياءِ، أرضُ الزنودِ السُّمرِ، والجباهُ الشامخةُ التي لوَّحتها شمسُ الصحراءِ، ورسمت عليها خارطةَ الوطنِ، وقلَّدتها نياشينَ الفخارِ، وتيجانَ الإباء. الأزرقُ حارسةُ المدخلِ الشرقيِّ للوطنِ، وعينُه اليقظةُ، وقلعتُه البازلتيةُ الوفيةُ، حيثُ تتلاقى شرايينُ المسافاتِ والدروبِ، تستندُ إلى حضارةٍ ضاربةٍ في أعماقِ الترابِ والتاريخِ والقيمِ النبيلةِ، تقلَّبت عليها الدولُ، ومرَّتِ الحقبُ؛ لتظلَّ شاهدةً على سيرورةِ كبرياءٍ، تغطرست مُختالةً، عبرَ العصورِ والأيامِ.
اختزنت قلعتُها الأبيةُ كلَّ ذلك التاريخِ في ذاكرةٍ لا تزالُ فَتيَّةً مُتجددةً؛ لِتمدَّ عُنفوانَها وكبرياءها ذاتَ يقظةٍ من سباتٍ؛ لِتحتضنَ بيارقَ ثورةِ أحرارِ العربِ في العصر الحديث، الذين تنبَّهوا واستفاقوا بعد أن طمى الخطبُ، وغاصت الرُّكبُ، وخاب التعللُ بالآمالِ الخادعةِ، والبرقِ الخُلَّبِ، فنهض أشرافُ الأمةِ الأخيارُ، من بني هاشم الأنقياء، ورثةُ الأمرِ الشرعيون، وولاتُه الـمُصطَفَون، ومصابيحُ هُداه، بقيادةِ الشريف الهاشمي الحسين بن علي، طيَّب اللهُ ثراه، لِيشرقَ فجرٌ جديدٌ عظيمٌ أعاد لهذه الأمةِ العظيمةِ شأنَها ونهضتَها وريادتَها، مثلما كانت في البدءِ، قوةً وقيادةً، ورسالةً، وشموخًا.
وما زلتُ، وما زالتِ الأزرقُ تتذكر 18/ 7 /1996 حينَ كانت على موعدٍ مع الجمالِ، حيث ازَّينَت بالفرحِ بيوتُها وشوارعُها وميادينُها وقلوبُ أهليها، واحتشدت الجُموعُ، يشهدون هذا اللقاءَ الكبيرَ، مُستقبلين سموَّ الأمير الحسن بن طلال، ومرافقيه بالهتافِ والترحيبِ، والدبكاتِ والأهازيجِ الشعبيةِ، وهو يَعبُرُ الميدانَ بهيبتِه ومِشيتِه الرصينةِ، مُحييًا الحضورَ، يبادلُهم حبًّا بحبٍ، وابتسامةً بابتساماتٍ، مُعتزينَ بولائهم وانتمائهم لهذا الوطنِ الكبيرِ العزيزِ، مُجدِّدينَ العهدَ للذودِ عن حِياضِ الوطنِ في ظلِّ القيادةِ الهاشميةِ المظفرةِ، مُقتَدينَ بالرعيلِ الأولِ من المجاهدين الأفذاذِ الذين بنوا مؤسساتِ الإمارةِ وأعمدتَها، وهم الذين يحدوهم الأملُ دائمًا بأنَّ ينابيعَ بني هاشمٍ ستظلُّ دفَّاقةً نقيةً في كلِّ حينٍ، تنسابُ لِترويَ رياضَ هذا الوطنِ الجميلِ. ثم وقف الجميعُ، من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، نساءً ورجالًا، كبارًا وصغارًا، وهم في أبهى حُللِ السعادةِ، مُنصتينَ بوقارٍ إلى كلماتِ سموِّ الأميرِ الهاشمي:
(... أقولُ إنَّ هذا الجمعَ الأسريَّ ما هو إلا تواصلٌ تاريخيٌ نحوَ الخيرِ والفلاحِ... أقولُ في هذا التجمُّعِ الشبابيِّ أنَّ الغدَ يرتكِزُ على الأصالةِ والصدقِ والوضوحِ في التعاملِ، مع تلك الصفاتِ التي تُمَثِّلُها جحافلُ الآباءِ والأجدادِ الذين ضحُّوا من أجلِ الرسالةِ، وأردنِّ المستقبلِ، أردنِّ الشموخِ والكبرياءِ ...إننا نبني أردنَّ الغدِ، أردنَّ المجتمعِ المدنيِّ، أردنَّ الهيئاتِ والمؤسساتِ التنفيذيةِ والـمُنتجةِ، بمشاركةِ الجميعِ وتعاونِهم وتضامنِهم دونَ تمييزٍ، هذه هي الـمُواطَنةُ الصالحةُ والصادقةُ، وهي الصيغةُ الـمُثلى للبناءِ ولِتَحَمُّلِ الأمانةِ)
تقعُ الأزرقُ ضمنَ المنطقةِ المعروفةِ بمنخفضِ الأزرقِ الذي يُشكِّلُ واحةً في قلبِ الصحراءِ، تكوَّنت من تَدفُّقِ مياهِ الأمطارِ وتركُّزِها في هذا المنخفضِ، مما جعلَ المنطقةَ تتميزُ منذُ القدمِ بمصادرِ المياهِ والتنوُّعِ الحيوانيِّ فيها، بالإضافةِ إلى الغطاءِ النباتيِّ البريِّ ووجودِ الأحجارِ البازلتيةِ الزرقاءِ.
وهي تعدُّ منطقةً تاريخيَّةً ثقافيَّةً غنيَّةً؛ نظرًا لموقعِه الإستراتيجيِّ، واشتُهِرت بأنّها محطَّةٌ للحجَّاجِ والقوافلِ التِّجاريِّةِ. وهي المعبرُ البريُّ الأكبرُ، والبوابةُ الرئيسيةُ للمملكةِ من الشرقِ الــتي تربطُها بدولِ الخليجِ العربيِّ والعراقِ، يجتازُها ملايينُ المسافرين ذهابًا وإيابًا، وترتبِطُ بكافةِ مُدنِ المملكةِ بطرقٍ دوليةٍ مُعبَّدةٍ.
تمتازُ بكَونِها منطقةً سياحيةً وبيئيةً مهمةً جدًّا، ومن أهمِّ المقوماتِ السياحيةِ والبيئيةِ فيها:
قَصر عَمرَة: من أهمِّ المواقعِ التّاريخيّةِ في الأزرق، وهو موقعٌ أثريٌّ من أيّام الدَّولةِ الأمويَّةِ، وما زال موجودًا إلى الآن، وهو مُدرَجٌ على لائحةِ التُّراثِ العالميِّ، وتملأُ جدرانَه الدّاخليَّةَ العديدُ من الرّسوماتِ الجداريَّةِ الحيَّةِ التي يعودُ تاريخها إلى 700 قبلَ الميلادِ.
قلعة الأزرق: من المعالمِ التَّاريخيَّةِ المهمَّةِ هي التي تقعُ في وسطَ واحةَ الأزرق، وهذه القلعةُ هي حصنٌ للعربِ الأنباطِ، وبعد ذلك أصبحت حِصنًا للرُّومانِ، وأعاد المماليكُ بناءها في القرنِ الثَّالث عشر الميلاديِّ. وكانت مركزًا لقيادةِ الثورةِ العربيةِ الكُبرى في أوائل القرن الماضي.
محميّةُ الأزرق المائيِّةُ: وهي مجموعةٌ من الأراضي الرَّطبةِ، تتوقَّفُ فيها الطُّيورُ المهاجرةُ، وتتميَّزُ بإمكانيّةِ مراقبةِ هذه الطُّيورِ فيها عن كثبٍ، وذلك من خلالِ ممرَّاتٍ مُجهَّزةٍ للزُّوَّارِ.
مَحميَّةُ الشُّومريِّ للأحياءِ البريةِ: وهي مركزٌ لإعادةِ توطينِ الأحياءِ البرّيّةِ المهدَّدَةِ بالانقراضِ، أو التي انقرضت محلّيًّا، وبعدَ الكثيرِ من برامجِ التَّوطينِ النّاجحةِ، أصبحت مَحميِّةُ الشّومريِّ بيئةً آمنةً ومزدهرةً لعددٍ من أكثرِ الحيواناتِ نُدرةً في الشَّرقِ الأوسطِ. يعيشُ فيها غزالُ المها العربيِّ، والنَّعامُ، والحمارُ البرِّيُّ الفارسيُّ، والغزلانُ، ويُمكنُ رؤيتُها تَتجوَّلُ بِحُرِّيَّةٍ في مراعيها الواسعةِ، وحظائرِها المخصَّصةِ لها، والتي تُعدُّ ملاذًا آمنًا لإعادةِ نَسلِها من جديدٍ.
هي الأزرقُ واسطةُ عقدِ الدولةِ الأردنيةِ الهاشميةِ، واحةُ المجدِ والكبرياءِ، الرابضةُ على شفا الصحراءِ، بيوتُها منابتُ الإباءِ، ومضافاتُها مدارسُ الوفاءِ، أهلوها مِلحُ الأرضِ، نخلُ العزةِ والشموخِ، وسنديانُ العروبةِ الصلبةِ، تزهو بمُنجزاتِ النهضةِ الحديثةِ، وتختالُ بولائها وانتمائها الهاشميِّ، مُباهِيةً بما وصلت إليه من نهضةٍ ثقافيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ يُشارُ لها بالبَنانِ.
هي الأزرقُ واحةُ الخيرِ والجمالِ التي نُحبُّها، تفتحُ ذراعيها الدافئين لاستقبال مُحبيها.

























