زهدي جانبك يكتب: ملاحظات على مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2024

نبأ الأردن -
القى وزير المالية خطاب الموازنة العامة امام مجلس النواب صباح يوم الاربعاء 20 كانون اول 2023، وبدوره احال المجلس مشروع القانون الذي كان قد استلمه من الحكومة بتاريخ 27 تشرين ثاني الى لجنته المالية لدراسته وابداء الرأي، وبذلك يكون مزاد المزاودات الاخير في عمر المجلسين النواب والوزراء قد باشر اعماله للمرة الاخيرة من عمر المجلسين.
وقبل ان تنتهي اللجنة المالية من المناقشة والاقرار اتمنى عليهم اخذ النقاط التالية بعين الاعتبار:
اولا:
شهدت موازنة الامن العام زيادة بنسبة 4% مقارنة بموازنة السنة الماضية ، وكنت اتمنى ان يكون جزء من هذه الزيادة مخصص تحديدا لحل مشكلة اسكان الضباط بشكل جذري ونهائي ومؤسسي.
ثانيا:
تزامن اعلان مشروع قانون الموازنة العامة مع قيام مديرية الأمن العام باطلاق استراتيجيتها للأعوام 2024-2026 وأشار مدير الامن العام إلى أن الاستراتيجية ارتكزت على 5 أهداف مؤسسية رئيسة هي:
الهدف الاول:الحد من الجريمة،
الهدف الثاني: والمساهمة في الحد من آفة المخدرات
الهدف الثالث: والمساهمة في تعزيز السلامة المرورية وأمن الطرقات
الهدف الرابع: والاستجابة الفاعلة للحالات الطارئة والكوارث،
الهدف الخامس: والتطوير المستدام لمنظومة الأمن العام، وفق أعلى المعايير الدولية لتشمل بذلك جوانب عمل مديرية الأمن العام بتشكيلاتها ووحداتها كافة.
ولكن قانون الموازنة العامة اضاف الى الاهداف الاستراتيجية للامن العام هدفين (اولويتين) استراتيجيين لم يذكرهما مدير الامن العام في اعلان الاستراتيجية ... وجاءت اضافة هذين الهدفين (الاولويتين) بطريقة ملتوية عجيبة غير ملائمة كما هو موضح بالصور المرفقة، وكما يلي:
الأولویات والنتائج المستھدفة ضمن السقوف المحددة للسنوات 2024 - 2026 :
الأولویة الأولى : الحد من الجریمة .
الأولویة الثانیة : المساھمة في الحـــــــد مـــــن آفــــة المخـــــــــــــــــــــــــــدرات .
الأولویة الثالثة : المساھمة في تعزیز السلامة المروریة وأمــــــن الطــــــــــــــــــرق .
الأولویة الرابعة : الاستجابة الفاعلة للحالات الطارئــــــــــة والكـــــــــــــــوارث .
الأولویة الخامسة : التطویر المستدام لمنظومة الامن العام وفق أفضل المعاییر الدولیـــــة .
- الأولویة المتعلقة بالنوع الاجتماعي والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة .
- الأولویة المتعلقة بالتغیر المناخي.
ولا ادري ان كان السبب في هذه الطريقة الملتوية هو كون احد الهدقين المضافين يتعلق بالنوع الاجتماعي (الجندر) ام لا؟؟؟
ثالثا:
الهدف الاول او الاولوية الاولى للموازنة تتعلق بالحد من الجريمة . وقد اعتمدت الموازنة مؤشرين اثنين لقياس الاداء لتحقيق هذا الهدف هما:
- مؤشر نسبة الجرائم المكتشفة:
وقدد حددت الموازنة العامة نسبة الجرائم المكتشفة عام 2022 بما يقارب ال 92.9% وهي نسبة مطابقة لما جاء في التقرير الاحصائي الجنائي لمديرية الامن العام ولما جاء في الكتاب الاحصائي السنوي ... ممتاز..... لكن المفاجأة كانت في قيام القائمين على اعداد الموازنة بالتنبؤ بنسبة اكتشاف الجرائم لسنة 2023 وانها انخفضت الى 92.3% وهذا مخالف للمنطق والواقع ولا يجوز نشره قبل انتهاء السنة والحصول على الاحصائية الحقيقية ... ولا افهم على ماذا اعتمدت وزارة المالية عندما قررت ان مديرية الامن العام ستتراجع على هذا المؤشر لهذه السنة، كما لا افهم لماذا وضعت نسبة الاكتشاف 93% للسنة القادمة 2024؟؟؟؟؟
- ومؤشر معدل الجرائم المكتشفة لكل 100 الف نسمة:
اما الخطأ الفاحش والقاتل والذي سيجعل المحللين يسخرون من احصائياتنا فهو مؤشر الجرائم المكتشفة لكل 100 الف مواطن ... وسبب السخرية ببساطا انه لا يوجد مؤشر قياس يتعامل مع الجريمة بهذه الطريقة.
ببساطة لان المؤشر بهذه الصورة ليس له اي دلالة احصائية اطلاقا. فليس هناك اي معنى لاكتشاف عدد معين من الجرائم ومقارنته بعدد السكان ما لم يتم ربط ومقارنة عدد الجرائم المكتشفة بعدد الجرائم التي تم ارتكابها. وهو ما يقال له (نسبة الجرائم المكتشفة) المذكور اعلاه بالمؤشر الاول.
اما ما اتوقع انهم يقصدونه فهو ( معدل الجريمة لكل 100 الف مواطن) وقد كان بالفعل 200 جريمة لكل 100 الف مواطن سنة 2022 كما هو منشور في التقرير الاحصائي الجنائي لمديرية الامن العام وفي الكتاب الاحصائي السنوي الصادر عن دائرة الاحصاءات العامة....
اما مصدر السخرية : فتصور المحلل الاجنبي عندما يقرأ في التقرير الاحصائي الجنائي لمديرية الامن العام وفي الكتاب الاحصائي السنوي ، ان عدد الجرائم لكل 100 الف مواطن عام 2022 كان 200 جريمة لكن وبنفس الوقت يقرأ ان معدل الجرائم المكتشفة بلغ 203 جرائم لكل 100 الف موطن كما هو مذكور في "قانون" الموازنة العامة ....
لان هذا يعني ان مديرية الامن العام اكتشفت 3 جرائم اكثر من الجرائم المرتكبة فعليا؟؟؟؟ ولوطبقنا هذا المنطق على عدد السكان الفعلي (11 مليون مواطن) فان عدد الجرائم المرتكبة سيكون 22000 جريمة بينما عدد الجرائم المكتشفة سيكون 22330 جريمة ... بنسبة اكتشاف تبلغ 101% ....
رابعا:
الهدف الاستراتيجي الثاني للامن العام والمتعلق بمكافحة المخدرات لم يتم وضع مؤشرات قياس له نهائيا... وهو امر يدعو الى التعجب والتساؤل...
بل ان هذا الهدف الاستراتيجي لم يتم وضعه ضمن الاهداف الاستراتيجية للامن العام في الموازنة العامة نهائيا .... الامر الذي يدعو الى التساؤل : هل هذا مؤشر على سحب هذا الهدف من مهام مديرية الامن العام وتكليف جهة اخرى للعمل على تحقيقه ووضع مؤشرات القياس هناك؟؟؟؟
وفي الواقع لم يتم ذكر مكافحة المخدرات الا كنشاط من انشطة البرنامج تحت الرقم 605 وتم تخصيص 250 الف دينار معالجات طبية وتأهيل مدمنين ، وتخصيص 250 الف دينار لحملات التوعية والاعلانات ، وتخصيص 500 الف دينار مصاريف ادارية.... فهل هذا مؤشر على النوايا؟؟؟
ان تخصيص الاموال العامة دون تحديد اهداف ودون وضع مؤشرات قياس يعتبر هدرا للاموال العامة ومساسا خطيرا بمبدأ المحاسبة والحوكمة والتنفيذ الصحيح للاهداف ... اضافة الى انه يدعو الى التساؤل عن سبب تنزيل درجة الهدف الاستراتيجي الى مستوى نشاط اداري فقط ... خاصة في ظل الهجمة الشرسة لتجار المخدرات على الحدود الشمالية.
خامسا:
جاء في مؤشر القياس رقم 1 للهدف الاستراتيجي الثالث (الاستجابة الفاعلة للحالات الطارئة والكوارث) ان نسبة الانتشار الامني في جميع مناطق المملكة بلغت 100% للاعوام 2023 و 2024 و 2025 و 2026 ... وهذه نسبة لا تتفق ومعطيات الواقع الواردة في المخصصات الرأسمالية رقم 701 الخاصة ببناء مركز دفاع مدني في جرف الدروايش والذي حتى وان تم تنغيذه سيبقي مناطق مثل البربيطة وغيرها على بعد 30 كيلومتر من اقرب مركز دفاع مدني ... وهذا مثال واحد بسيط من عشرات الامثلة تنفي الوصول الى نسبة تغطية 100% للملكة على مستوى هذا الهدف الاستراتيجي وسرعة الاستجابة المرتبطة به ارتباطا عضويا كاملا.
سادسا:
ويتعزز رأينا الوارد في النقطة الخامسة بما جاء في مشروع قانون الموازنة العامة تحت البند الثامن من مؤشرات القياس للهدف الاستراتيجي الثالث بأن نسبة الجاھزیة لوحدات وتشكیلات قوات الدرك تبلغ 57% فقط واننا نهدف الى رفعها الى 68% ... فكيف ستتمكن وحدة نسبة جاهزيتها 57% من تحقيق نسبة تغطية تبلغ 100% ؟؟؟؟
ملاحظة:
كل ما جاء هنا لا يعدو ان يكون مقترحا لتحسين صورة القانون عند صدوره خاصة وانه سيمر بكل مكونات الدولة الاردنية بالاضافة الى صدوره بارادة ملكية سامية ، ولذلك لا يجوز ان يلحقه اي عوار في الشكل او في المضمون حرصا على مؤسسات الدولة وهيبتها.
المرفق صور عن صفحات مشروع قانون الموازنة العامة كما هي منشورة على موقع وزارة المالية ، وصور عن صفحات التقرير الاحصائي الجنائي كما هي على موقع مديرية الامن العام ، وترجع في بعض ارقامها الى دائرة الاحصاءات العامة.