التغيّر المناخي والزراعة المستَدامة: نحو مُستَقبل أخضر ومستَدام
نبأ الأردن -
">
كتبَ صُهيب بدور، في عصرٍ يواجه تحدياتٍ عدّة، يبرز التغير المناخي بقوة كواحد من أكبر التحديات التي تهدد حياة كوكبنا. يتأثر بشكل متزايد وبطرقٍ مُختلفة قطاع الزراعة نتيجةً للتغير المناخي، ويظهر وسط هذه التحديات نور الأمل عبر مفهوم الزراعة المستدامة، حيث تتفتح بذور الابتكار والاستدامة لتعيد تشكيل مستقبل الزراعة بأكمله.
تأثير التغير المناخي على الزراعة:
التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وتقلبات نمط الأمطار، تلقي بظلالها على الإنتاج الزراعي. تقارير علمية تشير إلى تهديد المحاصيل الزراعية نتيجة التغير المناخي، مما يتسبب في اضطرابات في سلسلة التغذية العالمية.
وفي هذا الصدد، أكد وليد القيشاوي، الناطق باسم جمعية الزراعة المستدامة في الأردن، أنَّ التغير المناخي يؤثر بشكل كبير على القطاع الزراعي، سواء من خلال ارتفاع درجات الحرارة أو تأخر موسم الأمطار. وأشار إلى أنَّ هذا التأثير يظهر بوضوح في كميات الإنتاج ونوعيتها وموسمها، مما يؤثر على النمط الزراعي.
من جانبه، أوضح الدكتور مشهور الوردات، الناطق باسم الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، أنَّ التغيرات في درجات الحرارة ونمط الأمطار تؤثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي. وأشار إلى أن تأخر موسم الأمطار يؤدي إلى عدم توفر الفترة الكافية لنمو المحاصيل والنضوج، مما يؤثر سلبًا على الإنتاجية. وأوضح أن أفضل التقنيات والممارسات لجعل الزراعة مستدامة ومقاومة للتأثيرات البيئية هي استخدام تقنيات الري المستدامة وتحسين جودة التربة وتنويع المصادر الغذائية.
زراعة مستدامة ومقاومة للتغير المناخي:
في ظل مواجهة هذه التحديات، يسعى العديد من المزارعين إلى تبني ممارسات زراعية مستدامة. كاستخدام تقنيات الزراعة العضوية، وإدارة فعّالة للمياه، واعتماد استراتيجيات متقدمة للتحكم في الطقس يمكن أن تسهم في إنشاء مزارع مستدامة ومقاومة للتغيرات المناخية.
وفي هذا السياق، أفاد القيشاوي، أنَّ التوجه لاستخدام الزراعة الذكية الحديثة من شأنها المساهمة في التكيف مع التغير المناخي إذا ما توفرت الموارد المادية والتقنيات الفنية، وهذا يدعم فكرة الزراعة المستدامة من ناحية، ومن الناحية الأخرى فإنها تعزز عملية الإنتاج الغذائي بمواصفات عالية بالإنتاج والجودة، وتُقلل من كميات المياه المستخدمة في الري، كما تساهم في خلق فرص عمل جديدة.
وأضافَ الوردات، أنَّ أفضل التقنيات والممارسات لجعل الزراعة مستدامة لدى المزارعين، هو استخدام الزراعة بالري أو الزراعة المنتظمة بالتنقيط؛ "بحيث نحافظ على إعطاء النباتات الكم الكافي من الماء في الوقت المناسب". وأردفَ.."هُناكَ حل آخر، ولكنه مكلف نوعًا ما، وهو تغطية النباتات للحفاظ على رطوبة التربة، وهي تقنية تشبه البيوت البلاستيكية، ولكنها صغيرة على قدر حجم النبتة فقط... وهناك أيضًا أسلوب ترك القش حول سيقان النباتات أو الأشجار؛ من أجل الحفاظ على رطوبة التربة، كذلك وضع تربة رملية (الحصى وليسى تربة رملية صلبة كلسية)؛ لأن الحصى تحافظ على رطوبة التربة".
الزراعة الحضرية والزراعة العمودية:
تأخذ الزراعة خطوة إلى المدن من خلال الزراعة الحضرية والعمودية، حيث يتم زراعة المحاصيل في الأفق العمودي أو في المساحات الحضرية، مما يقلل من التأثير البيئي ويحل مشكلات الفقر الغذائي.
وفي هذا السياق، سلط الدكتور سامح غرايبة، بروفيسور علوم الأرض والمناخ في جامعة اليرموك، الضوء على دور الزراعة الحضرية والزراعة العمودية في تلبية الاحتياجات المتزايدة للغذاء وتقليل انبعاثات الكربون. وأشار إلى أنَّ الزراعة الحضرية تسمح بزراعة المحاصيل في المدن، مما يقلل من مسافات النقل وانبعاثات الكربون المرتبطة به. وأوضح أنَّ الزراعة العمودية تستخدم المساحات الرأسية لزراعة المحاصيل، مما يقلل من احتياجات المساحة ويوفر فرصًا للإنتاج في المدن.
ومن جهته، أكدَ الوردات على ضرورة التوسع في تبني الزراعة العامودية والزراعة الحضرية والزراعة المائية، كونها تسهم في تلبية الاحتياجات المتزايدة للغذاء وتقلل من انبعاث الكربون، مضيفًا أنها تعوض النقص بالأراضي الزراعية. مؤكدًا أنهُ "كلما زادَ الغطاء النباتي، سيكون لذلك تأثير إيجابي على البيئة وعلى كمية هطول الأمطار، وبالتالي الحد من تأثيرات التغير المناخي".
تكنولوجيا المعلومات والزراعة:
تحمل التكنولوجيا الحديثة أيضًا مفاتيح الحل، حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي وأنظمة مراقبة البيانات لتحسين إنتاجية المزارع وتحديد الاحتياجات المائية والحد من الفاقد.
وأشار الوردات في هذا الصدد، إلى أنهُ يمكن استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاج الزراعي وتقليل الفاقد، مؤكدًا أنَّ التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ترتبط بالزراعة الحديثة وبالمزارع الحديثة، موضحًا "يتم التحكم بالري باستخدام أنظمة ذكية وبرامج حديثة، تأخذ المعلومات من مستشعرات مزروعة بالتربة، عندما تنقص الرطوبة في التربة، فيعمل الحساس على إرسال إشارات، وتقوم الأنظمة الذكية تقوم بتزويد التربة بالماء... ومن خلال ذلك نقلل من الفاقد المائي واستغلال مساحات أكبر".
بالإضافة إلى ذلك، بينَ الدكتور الغرايبة، إلى أنَّ استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في تحسين إنتاج الزراعة وتقليل الفاقد. وأوضح أنَّ أنظمة الاستشعار عن بعد والروبوتات الزراعية وتحليل البيانات يمكن أن تساعد في رصد صحة المحاصيل وتحسين عمليات الإدارة. وأكدَ أنَّ هذهِ التقنيات المُتقدمة تحتاج إلى تبني واعتماد من قبل المزارعين والمعنيين.
التحديات والفرص للمجتمعات الزراعية:
مع كل هذه التقنيات والممارسات الجديدة، تظل التحديات كبيرة. تكامل المجتمعات الريفية هو جزء أساسي من معادلة النجاح. يجب على المزارعين التكيف مع التغيرات المناخية واستكشاف فرص جديدة في إطار الزراعة المستدامة.
وفي هذا السياق، أكدَ أحمد العلي- مزارع في أرياف محافظة إربد، شمال الأردن، أنهُ يَشهد تأثيرًا واضحًا لتغيرات الظروف الجوية على عمله الزراعي. ويلاحظ زيادة في درجات الحرارة خلال فصول الصيف، مما يؤثر بشكل كبير على نمو المحاصيل. وفي هذا السياق، يقول العلي: "بالنسبة لي كمزارع ريفي هنا في الأردن، لاحظت تأثيرًا واضحًا لتغيرات الظروف الجوية على عملي الزراعي. في السنوات الأخيرة، لاحظت زيادة في درجات الحرارة خلال فصول الصيف، مما أثر بشكل كبير على نمو المحاصيل".
ويضيف العلي أنَّ تأثير ذلك يظهر بوضوح في عمليات الري، حيث زادَ استهلاك المياه بشكل ملحوظ بسبب الحاجة المتزايدة للري لتعويض ارتفاع درجات الحرارة. ويعتبر هذا تحديًا كبيرًا للمزارعين، خاصة مع انقطاعات المياه الطويلة في بعض الأحيان.
ويشير العلي أيضًا إلى تغيرات في نمط الأمطار، حيث تأخرت بعض المرات، مما أثر على مواعيد الزراعة والحصاد. ويقول: "أيضًا، لاحظت تغيرات في نمط الأمطار، حيث تأخرت بعض المرات، مما أثر على مواعيد الزراعة والحصاد. هذا التأخير يسبب تحديات إضافية في تخطيط الإنتاج وضبط الجداول الزمنية".
ومع ذلك، يؤكد العلي أنه يبذل جهودًا إضافية لتكييف عمله مع هذه التغيرات. يستخدم تقنيات الري المتقدمة ويسعى لاعتماد محاصيل تتحمل درجات الحرارة العالية. كما يتبنى ممارسات زراعية مستدامة للمساهمة في المحافظة على التنوع البيولوجي وتحسين جودة التربة.
وأردفَ العلي: "باختصار، التغيرات في الظروف الجوية تشكل تحديات، ولكننا نعمل جاهدين للتكيف والمضي قدمًا في إنتاج محاصيل صحية ومستدامة".
وفي هذا السياق أوضح القيشاوي، أنهُ يمكن للمجتمعات الريفية أن تتكيف مع التغير المناخي وتبحث عن فرص في الزراعة المستدامة. لافتًا إلى أنَّ التنويع في مصادر الدخل يلعب دورًا مهمًا في ذلك، حيثُ يمكن تعزيز تنويع مصادر الدخل بما في ذلك الزراعة غير النقدية مثل السياحة الزراعية والصناعات الصغيرة. ومن جانبه أكدَ الغرايبة، على أهمية تحسين البنية التحتية الريفية، من خلال تعزيز البنية التحتية لتحسين وصول المزارعين إلى الأسواق وتحسين شبكات الري والطرق. مُشددًا على أهمية تعزيز التدابير الاحترازية، مثل التأمين الزراعي وتبادل المعلومات، لتقليل مخاطر فقدان المحاصيل. وأكد على أهمية توفير التدريب والتوعية حول ممارسات زراعية مستدامة وكيفية التكيف مع تغيرات المناخ.
يظهر أن مستقبل الزراعة يعتمد على الابتكار والاستدامة. بالعمل المشترك وتوجيه الضوء نحو الحلول الرائدة، يمكن للإنسان أن يغير مساره نحو مستقبل أخضر ومستدام.