مروان العمد يكتب: الزلزال والسياسة وازدواج المعايير / ٧

{title}
نبأ الأردن -

اكثر ما يلفت النظر في هذا الزلزال من الناحية السياسية وازدواج المعايير هو ما حصل منها في سوريا ، والتي طالب البعض بعدم تقديم المساعدات لمناطق النظام ، كون هذا النظام قد قتل شعبه . وطالب البعض بعدم تقديم المساعدات لمناطق المعارضة ، كون هذه المعارضة قتلت الشعب السوري . في حين ان كلاهما قتلا الشعب السوري . وكأنهم يدعون للتخلي عن هذا الشعب ليلاقي مصيره ، بالرغم مما عاناه طوال السنوات الماضية ، وما وقع فيه من قتل وتدمير وتهجير وجوع وفقر ومرض ، لان هناك من قرر ان ينشر الربيع العربي فيه .
صحيح ان حجم الدمار في تركيا كان اكبر ، وعدد القتلى والجرحى كان اكثر ، ولكن كان لديها من الامكانيات لمواجهة هذا الظرف اكثر بكثير مما لدى سوريا . وحجم المساعدات التي انهالت عليها اكثر بكثير من التي وصلت لسوريا . وعلى هذه المقياس فأن حجم الفاجعة في سوريا كانت اكبر مما هي في تركيا . والى درجة جعلت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية تقول ان ما مر به السوريين امر مروع وان حياتهم الصعبة اصبحت اكثر صعوبة .
وخسائر الشعب السوري لم تكن محصورة بالقتلى والجرحى والدمار الذي وقع على الارضي السورية . ولكن شمل المهاجرين الى تركيا ، لتواجد مئات الالوف منهم في المناطق المنكوبة . حتى ان سكان مدينة هاتاي في ولاية كهرمان مرعش هم من السوريين ، وهم الذين بنوها دون مراعاة مواصفات الجودة ، مما ادى الى ان تتهاوى بناياتها على الارض . كما ان الكثير منهم كانوا يعيشون في خيم و كرفانات في ظل ظروف جوية صعبة . ثم جاءتهم عاصفة الزلزال ، والتي دفنت الكثير منهم تحت الانقاض . ويشكل السوريين الغالبية العظمى من 6278 اجنبياً توفوا في تركيا ، بالاضافة الى اكثر من ستة الاف في الاراضي السورية .
ولم تتوقف معاناة السوريين في تركيا على ذلك ، فقد عانوا من تصرفات عنصرية من قبل بعض الاتراك قبل الزلزال واثنائه ، والاعتراض على تقديم المساعدات الانسانية لهم . ولا ادل على ذلك من المواطن السوري الذي كان محاصرا بين الانقاض ، والذي امتنع عن الكلام مع منقذيه خوفاً من ان يتوقفوا عن انقاذه اذا عرفوا انه سوري .
يضاف الى ذلك انه وبينما كانت سوريا تحاول معالجة جراحها من الزلزال ، كانت تتعرض لهجمات من ثلاثي الشر ، النصرة ، وداعش ، والكيان الصهيوني . حيث كانت النصرة تمنع دخول المساعدات من خلال معابر النظام ، و تقوم بالاستيلاء على المساعدات التي كانت تدخل من المعابر التركية . اما داعش فقد قامت بقتل العشرات وخطف المئات من المدنيين الفقراء جامعي مادة الكمأة ، ووضعت المتفجرات على طريق سياراتهم .
اما بالنسبة للهجمات الصهيونية فقد تعرض مبنى كبير في كفر سوسة بدمشق لقصف صاروخي اسفر عن سقوط خمسة عشر شهيداً واصابة سبعة آخرين ، كما تعرض مطاري اللاذقية و حلب للقصف الصاروخي عدة مرات ، مما كان يترتب عليه اخراجهما من الخدمة لعدة ايام ، وتوقف دخول المساعدات الانسانية عن طريقهما .
ولكن ومما لاشك فيه أن الزلزال فتح طاقة امام النظام السوري للولوج منها الى محيطه العربي . وذلك بعد ان هبت الكثير من الدول العربية لارسال المساعدات للشعب السوري . كما قام العديد من الزعماء العرب بالاتصال بالرئيس السوري لابلاغه تعازيهم و وقوفهم مع سوريا في ازمتها الحالية . وقام العديد من المسؤولين العرب بزيارتها . وانطلقت الكثير من الاصوات التي تدعو لفتح الابواب امامها للعودة لعالمها العربي . واعلن بعضهم اعادة العلاقات الدبلوماسية مع هذا النظام . وبنفس الوقت ارتفعت اصوات اردنية ترفض ذلك بحجة ان النظام قتل شعبه ، وانه تآمر على الاردن ، وفتح بلاده للمليشيات الشيعية والنفوذ الايراني . وانا اذا اتفق معهم بذلك ، الا انه لابد من الاقرار ان العلاقات السيئة ، والتآمر علينا كان موجوداً قبل ان يكون هناك حافظ الاسد و بشار الاسد . وان هذه العلاقات شهدت عدة انفراجات على عهد جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه وعهد حافظ الاسد . وتكرر المشهد نفسه ما بين جلالة الملك عبدالله الثاني اطال الله بعمره وبشار الاسد في بداية عهده . ولا بد ان نضع في الحسبان مليارات الدولارات التي دفعتها دول عربية من اجل احداث الربيع العربي في سوريا ، وخلق تنظيمات المعارضة الارهابية وغير الارهابية بالتعاون مع دول خارجية كبرى ، وان هذه التنظيمات ساهمت في قتل الشعب السورى .
ان التاريخ يقول بأن لا صداقة تدوم ولا عداوة تدوم . وكل الحروب والثورات تنتهي بالمفاوضات والصلح ونسيان الماضي . ولا ادل على ذلك من سياسات الرئيس التركي اردوغان . والذي يغير علاقاته مع الدول الاخرى على ضوء المصلحة التركية . ومن امثلة ذلك مواقفه من روسيا واميركا وايران والكيان الصهيوني الذي طْبع علاقته معه عدة مرات . والذي خصه بالشكر والاشادة بفريق الانقاذ الذي ارسله ، هذا الفريق الذي انهى عمله بسرقة وثائق تاريخية تلمودية استخرجها من بين انقاض كنيس يهودي خلال عمله ، قبل ان يتم اعادتها فيما بعد . ومن ذلك تجميد صراع تركيا التاريخي مع اليونان وارمينيا ، عندما قامت هاتان الدولتان بتقديم العون لتركيا . حيث قام اردوغان بتقديم الشكر لهما . وقام وزيرا الخارجية فيهما بزيارة لتركيا ، واعلنت ارمينيا فتح معابرها المغلقة مع تركيا منذ عقود . وها هي السعودية تمد يدها لايران ، وتعيد معها العلاقات الدبلوماسية . وتمد يدها للحوثيين بهدف تحقيق المصالحة بين جميع الاطراف في اليمن . وتتبعها بذلك عدة دول خليجية .
نحن بحاجة الآن لكل ما يجمع ، وان نجمد كل ما يفرق . وان تطبيع العلاقات بيننا وبين سوريا مصلحة اردنية مثلما هو مصلحة سورية . وان مصلحة الشعب السوري انهاء هذه الحرب الاهلية التي اهلكت الزرع والضرع ، وقتلت البشر وشردتهم وهدمت الحجر ، واكمل عليهم هذا الزلزال . فلنجعل من اهواله بداية صفحة جديدة من صفحات التاريخ من خلال تطبيق المبادرة الاردنية الدبلوماسية لتحقيق تسوية في سوريا تعيدها الى محيطها العربي .
نهاية المقال


تابعوا نبأ الأردن على