مكملات الأوميغا 3.. هل هي أكبر خرافة طبية في القرن الحادي والعشرين؟
نبأ الأردن-مورغان كرابتري، هي طفلة بالغة من العمر 8 أعوام، من برادفورد في إنجلترا. تلميذة ذكية ملتحقة بالمدرسة الابتدائية، كانت تحقق أداء جيدا في المواد التي تستمتع بها مثل القراءة، لكن انتباهها كان يُشتت بسهولة. صرّحت والدتها لصحيفة الإندبندنت، في يونيو/حزيران عام 2006، أن طفلتها كانت تجد بسهولة أي عذر لعدم أداء واجباتها المدرسية، كما أنها كانت تعاني من نوبات غضب متكررة، وتشعر بالملل بسرعة.
كانت والدة مورغان قلقة بشكل خاص من ترك طفلتها في المنزل مع أشقائها خشية أن تسيء التصرف، غير أن الأم أكدت أن هذه المشكلات قد اختفت، بل وتحسنت قدرات ابنتها الدراسية بعد 6 أشهر من تناولها ملعقة يومية من مكمل غذائي يسمى "سمارت أوميغا 3 (Smart Omega 3)" في مدرستها، خلال تجربة أجريت على التلاميذ.
في برادفورد، حصل التلاميذ في مدرسة نيوهال بارك الابتدائية على أوميغا 3، وأظهر 81% منهم تحسنا في القراءة، فيما أظهرت نسبة 67% تحسنا في الكتابة، وأبدى 74% تحسنا في الرياضيات"، هذه هي البشرى التي زفتها بعض التقارير الصحفية للآباء(2). وأوضحت الإندبندنت خلال التقرير الذي عرضت خلاله لحالة مورغان ووالدتها أنه يجب إعطاء أطفال المدارس مكملات زيت السمك لتعزيز قوة عقولهم وتحسين سلوكهم وقدرتهم على التركيز.
أضاف التقرير أن المتخصصين في مجال الصحة يخشون من أن الشباب لا يحصلون على ما يكفي من أوميغا 3 من خلال نظامهم الغذائي اليومي الذي تهيمن عليه الأطعمة الحديثة الجاهزة، مشيرين إلى أن نقص الأوميغا هذا قد يعرّضهم إلى مخاطر ضعف القدرة على التعلم والعنف في أماكن الدراسة(1)، لكن هل الأمر كذلك حقا؟
تجارة واسعة الانتشار
في تلك الأثناء، كان تناول مكملات أوميغا 3 تحول إلى ثقافة واسعة الانتشار. في عام 2007، وعبر صحيفة الجارديان، أجرى "أندرو بورفيس" تحقيقا في صناعة مكملات الأوميغا-3 في بريطانيا، التي قدرت قيمتها آنذاك بنحو 116 مليون جنيه إسترليني. أوضح بورفيس أن السبب وراء هذا الرقم الضخم من الإنفاق على هذه المكملات هو الاعتقاد بأن دهون أوميغا-3 التي يحتوي عليها زيت السمك تعزز ذكاء الأطفال.
لم تقتصر شعبية الأوميغا على بريطانيا فقط، أوضح تقرير نشرته التايم في عام 2018 أنه يمكن اعتبار أن الأوميغا 3 هي أكثر المكملات شعبية في أميركا، وأن ما يقرب من 8٪ من البالغين، أو حوالي 19 مليون شخص، يأخذون نوعا من مكملات أحماض أوميغا 3 الدهنية، وذلك وفقا للأرقام الصادرة عن المعاهد الوطنية للصحة.
وفقا لـ"هارفارد تي إتش تشان (Harvard T.H. Chan)"، كلية الصحة العامة التابعة لجامعة هارفارد، يمكن لجسم الإنسان أن يصنع معظم أنواع الدهون التي يحتاج إليها، لكنه لا يتمكن من فعل ذلك مع أحماض الأوميغا 3 الدهنية. هذه دهون أساسية، تنتمي إلى فئة الدهون الأساسية غير المشبعة، ورغم ذلك لا يستطيع الجسم تكوينها من نقطة الصفر، ولكن يجب الحصول عليها من الطعام.
هناك 3 أنواع رئيسية من أوميغا 3: يأتي حمض إيكوسابنتاينويك (EPA) وحمض الدوكوساهيكسانويك (DHA) بشكل أساسي من الأسماك، بينما يوجد حمض ألفا لينولينيك (ALA) في الزيوت النباتية والمكسرات، خاصة الجوز وبذور الكتان والخضروات الورقية وبعض الدهون الحيوانية(4).
يؤكد "سايمون ديال"، رئيس قسم التغذية في جامعة بورنموث في المملكة المتحدة، للتايم، على أهمية أحماض الأوميغا 3 قائلا: "تشارك أحماض أوميغا 3 الدهنية في العديد من عمليات الدماغ الأساسية المختلفة". وفقا لديال فإن أحماض أوميغا 3 الدهنية المتعددة غير المشبعة، ومستقبلاتها تؤثر إيجابيا على التعبير الجيني والإجهاد التأكسدي وتدفق الدم في المخ ومستويات النواقل العصبية والعمليات الأخرى المتعلقة بالدماغ مثل إنتاج الخلايا العصبية الجديدة.
يمكن اعتبار "DHA" على وجه الخصوص لبنة أساسية لبناء أغشية خلايا الدماغ، بناء على هذا، يمكن اعتبار أن الدماغ بدون أحماض أوميغا 3 الدهنية مثل منزل دون طوب أو جدران(3). الأمر غير المؤكد أو غير الواضح أو غير المبرهن علميا بدرجة كافية ومؤكدة ليس مدى أهمية أحماض أوميغا 3، بل ما إذا كان ابتلاع حبة زيت السمك أو أي نوع آخر من مكملات أوميغا 3 يمكن أن يحسن الوظيفة الإدراكية أو يحمي صحة الدماغ.
تجارب غير منضبطة
منذ ما يزيد عن 15 عاما، تواصل مجلس مقاطعة دورهام البريطانية مع شركة "Equazen" المصنعة لمكملات زيت السمك الخاصة، وطلب منها أن تتبرع بما قيمته مليون جنيه إسترليني من الكبسولات لتوزيعها على 5,000 طفل في سن المدرسة، الذين سيتم قياس أدائهم مقابل الأطفال الذين لم يتناولوا مكملات أوميغا 3، لكن المشكلة أن هذه التجربة الواسعة تمت دون وجود مجموعة تحكم، ولا دواء وهمي، ولا تجارب مزدوجة التعمية (Double-blind studies).
يُقصد بالتجارب مزدوجة التعمية تلك التجارب التي لا يعرف فيها المشاركون ولا المجربون من منهم يتلقى علاجا حقيقيا ومن الذي يتلقى علاجا وهميا. الهدف هنا هو التخلص من الانحياز غير الموضوعي الذي قد يحمله الأشخاص الخاضعون للتجربة تجاه نتيجة محددة. خلال التجارب مزدوجة التعمية، لا يعرف حتى الباحثون الذين يدرسون تأثيرات دواء جديد، والذين يتفاعلون مع المشاركين، من كان يتلقى الدواء الفعلي ومن كان يتلقى العلاج الوهمي.
على الرغم من هذه العيوب وعدم الانضباط البحثي، فقد تم الإبلاغ عن نتائج هذه التجارب على نطاق واسع، وأُعلِن عن زيت السمك باعتباره مكملا رائعا وبالغ الأهمية، "لكن هذا ليس علما" كما يؤكد الدكتور "توم ساندرز"، خبير التغذية في كينجز كوليدج لندن، للجارديان تعليقا على هذه الدراسات. ويوضح "ساندرز" أن هذه الدراسات غير الخاضعة للرقابة تقوّض البحوث التي تُجرى بشكل صحيح، ومع ذلك لا يكاد يمر شهر دون "تجربة" أخرى تتداول نتائجها الصحف. الرابط بين هذه التجارب المتعددة هو أنها بدون ضوابط مناسبة، وتقوم نتائجها بناء على أدلة غير مؤكدة.
بدورها، ترد الدكتورة "أليكس ريتشاردسون"، وهي باحثة في جامعة أكسفورد وخبيرة في التغذية والدماغ، على الاعتقاد بالتأثير السحري لمكملات الأوميغا على القدرات العقلية قائلة: "ركزت الدراسات التي أُجريت على فوائد زيت السمك على الأطفال الذين يعانون من صعوبات محددة"، مثل الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وعسر القراءة واضطراب التنسيق التنموي، وهو اضطراب يؤثر على التنسيق الحركي والتعلم والتكيف الاجتماعي أو النفسي.
أظهرت بعض هذه الفئات تحسنا طفيفا عند تناول زيت السمك، بينما لم يظهر على البعض الآخر أي مقدار من التحسن. أوضحت دراسة نُشرت عام 2019 أن أحماض أوميغا 3 الدهنية غير المشبعة طويلة السلسلة تؤدي دورا رئيسيا في نمو الخلايا العصبية وتطور الدماغ البشري، وقد أُبلِغ عن نقص في هذه المواد لدى الأطفال الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. لذا، تُستخدَم مكملات أحماض أوميغا 3 الدهنية المتعددة غير المشبعة علاجا مساعدا في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
من ناحية أخرى، أوضحت مراجعة أُجريت على ما مجموعه 52 دراسة، كان بعضها يبحث فيما إذا كانت أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يمكن أن تتحسن عن طريق تجنب عناصر غذائية معينة، وبعضها الآخر يبحث فيما إذا كانت بعض العناصر الغذائية قد تقلل من أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أوضحت أن مكملات زيت السمك كانت من أكثر التدخلات الغذائية الواعدة في الدراسات للحد من أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال، لكن نتائج المراجعة ذاتها أضافت أن الدراسات التي أجريت كان بها بعض أوجه القصور، وأنه من الضروري إجراء دراسات أكثر شمولا لتحديد ما إذا كان يوصى بمكملات زيت السمك بوصفها جزءا من علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.