هيلدا حبش تكتب : في ذكرى رحيل القائد ورفيق الدرب جورج حبش

{title}
نبأ الأردن -

في  مثل هذا اليوم من كل عام ومنذ تاريخ السادس والعشرين من يناير عام 2008 تحل الذكرى الأليمة والمفجعة لغياب أعظم الرجال وأنقاهم وأكثرهم إخلاصاً على الإطلاق .





ذكرى لن تُمحى من الذاكرة ومن صفحات التاريخ. وفي هذا العام بالذات ذكرى مرور خمسة عشر عاماً لرحيل القائد والمجاهد الكبير ورفيق الدرب النضالي وتوأم الروح الحكيم جورج حبش . ورغم مرور السنوات الخمسة عشر إلا أن الحكيم بمكانته التاريخية وإرثه النضالي الضخم وكل ما قدمه لشعبه ولقضيته المقدسة في مسيرته وكفاحه الدؤوب على مدى عشرات السنين من النضال المتواصل قدم فيها الحكيم جورج حبش أغلى ما يملك من عمره و شبابه وعلمه و فكره وجهده وتجاربه وخبراته وجنّد كل خلية من خلايا عقله و قلبه وفكره وكل طاقاته الجسدية والفكرية لتبقى القضية الفلسطينية حيّة وعلى سلم الأولويات كي لا تموت ولا تندثر طالما أن هناك شعباً عظيماً معطاءً يقدم بكل سخاء وبدون أدنى تردد خيرة أبنائه للدفاع المستميت عن الأرض والوطن وعن الحقوق التاريخية لشعبنا في الوجود فوق تراب الوطن المقدس .  





ما معنى أن يفقد المرء إنساناً عظيماً بحجم وطن بين ليلة وضحاها . إنسان شغل الدنيا وما فيها على إمتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج . على الصعيد الشخصي لم يمكن غيابه بالأمر السهل علينا. إن رحيله أحدث زلزالاً في حياتي الخاصة كدت أفقد توازني من هول الخسارة الفادحة التي ألمت بنا . عشت حالة من الضياع لما تركه من فراغ كبير لم يملؤه سوى إيماننا العميق بمبادئه ومعتقداته وقيمه وحبه لوطنه لنحمل الرسالة ونستمر على خطاه وتبقى فلسطين القاسم المشترك والأمانة التي علينا حملها من بعده. إن الأجيال ستبقى وفيّة لهذا القائد العظيم وستبادله العطاء والمحبة والوفاء وتحمل معتقداته ومفاهيمه و أفكاره لتتوارثها الأجيال حتى إعلان النصر والتحرير ودحر الإحتلال وعودة الملايين من الذين هُجروا قصراً تحت تهديد العصابات الصهيونية المسلحة .إن شعلة النضال ستبقى مُتقدة وفاء للشهداء ولدمائهم الطاهرة ولجميع الأسرى والمُعتقلين في سجون الإحتلال الإسرائيلي حتى النصر والتحرير .





تتزامن هذه المناسبة الأليمة مع ذكرى صدور كتاب صفحات من مسيرتي النضالية عام 2019 عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت . ومنذ صدور هذا الكتاب ونحن نعيش على دوي ردات الفعل الشعبية والهزات الإرتدادية التي عصفت بنا من كل حدب وصوب ولم يسبق أن صدر كتاب يحمل السيرة الذاتية لأي من البشر أن يتحول إلى كابوس يقض مضجع المؤلف.  





كنت قد وقعت العقد مع مركز دراسات الوحدة العربية وأنا مطمئنة بأن الكتاب في أيدي أمينة وأننا نتعامل مع أصدقاء معظمهم قوميين عرب وأصدقاء للحكيم . وتنفست الصعداء أنني أنجزت المهمة أي الأمانة التي أوكلني بهاالحكيم و شعرت بإرتياح لأني أديت الواجب ونفذت وصيته على أكمل وجه وبضمير حيّ وقدمت وثيقة تاريخية لتبقى نبراساً للأجيال.





سبق وشرحت في مقدمتي للكتاب بوضوح كيف إستطعت وبشق الأنفس أن أُقنع الحكيم بتسجيل مذكراته بنفسه كي نحميها من خطر التزوير للتاريخ وتشويه الحقائق . ونظراً لظروفه الصعبة والمعقدة والمهمات المُلقاة على عاتقه كأمين عام للجبهة الشعبية وكزعيم سياسي للشعب الفلسطيني  وإنهماكه اليومي في قضايا الثورة الفلسطينية داخل الوطن المحتل وخارجه، كان العمل متقطعاً وغير منتظم وحسب ظروفه الأمنية.





وبعد جهد جهيد إستطعنا معاً أن نكتب و نسجل ونوثق تجربتنا والأحداث التاريخية بكل محطاتها ومنعطفاتها . وكان الحكيم يعتمد عليّ بإعادة مراجعتها وصياغتها ووضع الملاحظات والتدقيق والتنقيح وتحرير المخطوطة بشكلها النهائي . وقد بذلنا معاً جهود مضنية حتى إستطعنا إنجاز المُهمة. وحرص الحكيم على طباعة المخطوطة على جهازنا الخاص داخل المنزل خوفاً من تسريبها وبقي الموضوع محصوراً بيننا فقط ولم يكن أي طرف ثالث على الخط. وكانت الأوراق مكتملة ولا أحد يستطيع أن يضيف أو يحذف أي كلمة بعد إشرافه ومراجعته وتوقيعه، وترك الحكيم هذه الأوراق أمانة بين أيدينا لنشرها في الوقت المناسب.





كنت قد إتصلت بالدكتور سيف دعنا وكلفته بكتابة تقديم للكتاب إلى جانب مقدمتي فقط لا غير ولم يرد إسمه في العقد ولم أكلفه بالتحرير على إعتبار أن المخطوطة جاهزة للنشر كما تركها الحكيم بشكلها النهائي . كانت النتيجة أنه تسبب بتأخير الكتاب سنة كاملة ولم يكتف بكتابة مقدمة من خمس وعشرين صفحة تتحدث عن التصوف وعن الحلاج و لا أعلم ما علاقة جورج حبش بالتصوف . كما شرعن لنفسه إضافة هوامش لا تضيف للمضمون بشيء.





 و كانت المفاجأة عند صدور الكتاب أنه ربط إسمه بإسم الحكيم وأدعى أنه المحرر وبدأت وسائل الإعلام وجميع المواقع بما فيها الأمازون والإعلان الرئيسي لمركز الدراسات يذكرها بالقلم العريض "تأليف جورج حبش وتحرير سيف دعنا" وتم تجاهل إسمي تماماً دون ذكر لرفيقة الدرب التي أنجزت الكتاب مع الحكيم من الألف إلى الياء. وتم نشر مقدمته أولا وحُذف إسمي عن مقدمتي وهو لم يسبق له أن تعّرف على الحكيم ولم يسجل معه حرف واحد.  شدد المركز في إعلانه  بأنني قمت بكتابة المقدمة والخاتمة والفصل الأخير من الكتاب  في محاولة للتعتيم على دوري في توثيق وتحرير الكتاب بالكامل وبعد مفاوضات طويلة وودية وبعد جهد جهيد قام المركز بوضع إسمي على باقي النسخ التي لم توزع بعد في المكتبات كمدونة وهذا أمر مجحف تماماً وغير مقبول  . أما الفصل الأخير فلم يكن إضافة لاحقة للكتاب وإنما هو من صميم الكتاب وهو يتناول حادثة فرنسا عام 1992 والتي كنت قد تحدثت عنها لوسائل إعلام مختلفة ومتعددة في حينها .





لقد تعمد مركز دراسات الوحدة العربية التعتيم على دور العائلة في حياة الحكيم والدور المحوري لرفيقة دربه في مسيرته النضالية وكفاحه على مدار نصف قرن من النضال الدؤوب. لقد فاتهم أن الحكيم ترك إرثه وتراثه أمانة بين يدي رفاق الدرب وعلينا أن نجمعه في مجلدات لتوثيقه. أما هذا الكتاب الوثيقة التاريخية فهو سيرة  ذاتية ومذكرات من حقه أن يكتبها مع من عاشوا معه التجربة بكل منعطفاتها الصعبة على مدى نصف قرن ولا مجال هنا لكتابة كل التفاصيل وأساليب التحايل والخداع والحملات المسعورة لتشويه تاريخ العائلة على صفحات الأخبار و الصحافة الصفراء وتوجيه الطعنات المسمومة للعائلة.





كما يتم اليوم وبشكل متعمد وللأسف محاولة التعتيم على دور الحكيم التاريخي كمؤسس لحركة القوميين العرب بالحديث عنه كأحد أبرز مؤسسي حركة القوميين العرب!  





لقد أصدرت العائلة ثلاثة كتب بعد رحيل الحكيم تكريما لذكراه نعتز بإنجازها  وهي : شهادات في زمن الحكيم الذي صدر في الذكرى الأولى من وفاته تم فيه جمع  ما أمكن من المقالات الهامة والمؤثرة التي صدرت بعد رحيله. بالإضافة إلى كتاب الثوريون لا يموتون أبداً بنسخته العربية والذي إستغرق العمل به أكثر من عام أشرفنا فيه على ترجمته وبذلنا مجهودا كبيراً أنا و إبنتي لمى في  التدقيق والتنقيح والتحرير وصياغة النص باللغة العربية وللقاريء العربي فصدر بما يليق بمسيرة الحكيم في ذكراه الثانية. علماً بأنني شاركت مع الحكيم في تسعين ساعة من الحوار ومئة وعشرين ساعة من التدقيق للنسخة الفرنسية قبل صدورها. وكان قد إطلع الحكيم قبل وفاته على النسخة الفرنسية وأوصاني بإعادة قراءة الكتاب ووضع ملاحظاتي عليه وترجمته إلى العربية فكان له ما شاء وحسب وصيته. أما الإنجاز الثالث فهو كتاب صفحات في مسيرتي النضالية الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت في الذكرى الحادية عشر لوفاته . هذاالكتاب الذي أنجزناه معاً قبل كتاب الثوريون و الذي أنا بصدد الكتابة عنه اليوم بالذات .





إن عائلة الحكيم لم تكن يوماً على الهامش في حياته  بل كانت جزأ لا يتجزأ من مسيرة نضالية مشرفة عشناها عن كثب إلى جانب هذا الثائر الكبير بكل تفان وإنكار للذات بعيداً عن وسائل الإعلام ولم نسع يوماً وراء مناصب حزبية وإمتيازات ومصالح شخصية.





سنبقى أوفياء لمبادئه ومعتقداته بكل شموخ وكبرياء ولن أسمح لأي كان أن يتطاول على مكانتي كرفيقة درب أو أن يحاول شطب تاريخي النضالي وإنكار جهودي وتضحياتي . إن هذا الكتاب هو ثمرة هذه التجربة الثرية ولن أفرّط بهذا الرصيد النضالي  والمعنوي ما حييت . إن من يقرأ الكتاب يستطيع أن يلمس ويتأكد كم أنصف الحكيم رفيقة دربه وأكد على دورها المحوري في حياته النضالية والسياسية. إن كلماته وحبه و إحترامه وإمتنانه وتقديره يتدفق من بين السطور.





وهذه شهادة سأبقى أعتز بها مدى الحياة وستبقى وساماً على صدري وبعد ذلك لا أحتاج إلى تكريم أو أوسمة من أحد. هذا هو الحكيم جورج حبش وسيبقى الضمير الحيّ الذي لا يموت.





إن كل ما نشرته الصحافة الصفراء من إدعاءات وأكاذيب وإفتراءات ما هي إلا تغطية على ما إقترفه المركز من محاولة لشطب حقوق تاريخية ولدور العائلة في حياة الحكيم.





لا أحد يستطيع إخفاء الحقيقة الساطعة بأن الحكيم لم يكن يوماً وحده وإنه كان محاطاً بعائلة مناضلة محبة ضحت بالغالي والنفيس في سبيل حمايته من كل ما تعرض له من محاولات عديدة لإغتياله وخضعت لظروفه الصعبة من إختفاء تحت الأرض وإستنفار دائم ليلاً ونهاراً وفي حالة يقظة دائمة وفي قلب الأحداث الساخنة وسط المعارك الضارية وهذا هو السر الذي يفسر لماذا لم تكتشفة إسرائيل وكل أجهزتها الأمنية فشلت في الوصول إليه .  





لا يوجد قوة في الدنيا تستطيع أن تفصل الحكيم عن عائلته وهذا الرباط المقدس كان سر صمودنا وبقائنا إلى جانبه في أحلك الظروف وهو قوة الحكيم الخفية ومصدر حمايته .





إن أي مساس بالعائلة هو مساس بالحكيم شخصياً وأنا أحمل المسؤولية إلى مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية وأطالبهم بالوقوف بجدية أمام كل ما حصل. من تعدي وتلاعب وهيمنة وإدعاءات كاذبة من أجل حل الموضوع وتصويب الوضع ومحاسبة المسؤولين عن كل ما حصل . لقد سلمت مديرة المركز وثيقة تاريخية ووقعت العقد معها كمؤلفة وكرفيقة درب .





إن هذا الكتاب هو خلاصة تجربة سنين طويلة من الملاحقات الأمنية والإختفاء والسجون والتعذيب . تجربة صاخبة بالأحداث والأزمات الخطيرة والتحديات من معارك وإشتباكات وشهداء وجرحى والاف المعتقلين في سجون العدو .إنه  تاريخ من المقاومة بكل ما واجهته من معارك وإشتباكات  وأزمات مادية وسياسية وأمنية . مسيرة مريرة متشعبة ومعقدة . كل ذلك رواه الحكيم مباشرة بكل شفافية ومصداقية وأمانة وبضمير حيّ. لذلك أحملكم المسؤولية لإعادة الإعتبار لتاريخ الحكيم وعائلته.





نطالب السادة مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية بوقفة جادة أمام هذه المعضلة من أجل إعطاء كل ذي حق حقه دون تعدي على أصحاب الحقوق.





كما نطالب المركز بتقرير مفصل عن مسار الكتاب إذ لا يحق للناشر أن يقطع العلاقة مع المؤلف ويتصرف كما يحلو له. لقد قام المركز ببيع حقوق الطباعة والنشر لدار الناشر في فلسطين دون علمنا أو إطلاعنا أو موافقتنا على العقد فنحن لم نعلم أي شيء عن نسخة فلسطين. إن هذا مخالف لبنود العقد الذي تم توقيعه مع مديرة  المركز. بالنسبة لنسخة فلسطين كان الكتاب حدث الموسم والأكثر مبيعاً  لأن شعبنا كان متعطشاً لقراءة ومتابعة كل ما سرده الحكيم مباشرة عن مسيرته النضالية وتجاربه وأرائه ومواقفه المبدئية وعلاقاته مع الفصائل والأحداث التاريخية التي مرت بها الثورة الفلسطينية على مدار ستين عاماً من الكفاح ودوره المؤثر كزعيم تاريخي للشعب الفلسطيني.





كذلك من حقنا أن نسأل ماذا عن موضوع الترجمة إلى لغات مختلفة وعن النسخ الإلكترونية والأمازون وتسويق الكتاب كنسخةإلكترونية  للعديد من المكتبات والمشاركة في جميع معارض الكتب في الدول العربية . من حقنا أيضاً أن نسأل اليوم كيف تم بيع اَلاف النسخ ولم تصدر الطبعة الثانية حتى الأن و بعد أربع سنوات؟!  





نطالب بإصدار الطبعة الثانية بإشرافنا لتشمل جميع النقاط والملاحظات والتعديلات وتصحيح الأخطاء اللغوية والمطبعية والتجاوزات وهذا موضوع سجلناه وقدمناه للمركز منذ السنة الأولى دون رد من طرفهم.  ورداً على بيان المركز حيث يقولون بأن حقوقي المادية و الأدبية والمعنوية وصلتني فإن هذا الكلام غير صحيح.حق المؤلف هو أن أتابع كل التفاصيل عن مسار الكتاب الذي إختطف من بين أيدينا . حقوقي أن أحضر الندوة وأشهر الكتاب وألقي كلمة ولا يحق  لإدارة المركز دعوة الجبهة الشعبية دون دعوتنا نحن عائلته وأصحاب التجربة.





تحية إجلال وإكبار إلى روح الحكيم في الذكرى الخامسة عشرة لرحيله . الحكيم الباقي في قلوبنا و قلوب الملايين من شعبنا . تحية إجلال وتقدير إلى أبطالنا المعتقلين في زنازين الإحتلال.





المجد و الخلود إلى جميع الشهداء الأبرار.





رفيقة الدرب هيلدا حبش





26-1-2023


تابعوا نبأ الأردن على