المحامي فيصل الخزاعي يكتب : هكذا يفـــكر المحافظون الجدد في تنفيذ سياستهم للفوضى الخلاقة

{title}
نبأ الأردن -

إن خريطة الشرق الأوسط في نظر الولايات المتحدة الأميريكية يفترض فيها أن الحدود بين الدول غير مكتملة وغير نهائية خاصة في القارة السمراء التي تكبدت ملايين القتلى وبقيت حدودها الدولية بدون تغيير ، وأن الشرق الأوسط الملتهب والمتوتر منذ عقود نتيجة أطول إحتلال في تاريخ البشرية ألا وهو الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين ، فإن حدود الدول التي وضعها الإستعماران البريطاني والفرنسي كانت قد وضعت على أساس سياسي لم يراعي عوامل الدين والقومية والمذهبية في الدول التي نشأت بموجبها ، وأن دور الخريطة الأميريكية الجديدة هو إعادة تقسيم المنطقة على هذا الأساس الديني والمذهبي والقومي ، ولأن إعادة تصحيح الحدود الدولية يتطلب توافقاً لإرادات الشعوب التي قد تكون مستحيلة في الوقت الحالي ولضيق الوقت فلا بد من الوصول إلى هذه الغاية بإستعمال التدخلات العسكرية ، وتبقى الدول المستهدفة بالتقسيم هي كل من إيران وتركيا والعراق وباكستان وسوريا كما أن هناك دول ستتوسع لإغراض سياسية وهي الأردن واليمن وأفغانستان ، هذا التقسيم هو عبارة عن وسيلة لإضعاف الدول التي تتعرض للتقسيم ، وأن الدول الجديدة التي ستنشأ ستكون موالية تماما للولايات المتحدة الأميريكية ومكبلة بإتفاقيات أمنية وعسكرية ، وأن الأردن الكبير سيكون الحل الأمثل أميركياً وإسرائيلياً للقضية الفلسطينية ونقطة جوهرية بتخليص إسرائيل من مشكلة التغيير الديموغرافي للسكان لصالح الفلسطنيين في حالة تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني 1947 ، ويبقى القول هل هو الحل الممكن للتخلص من المشاكل التي تواجه إستراتيجية الولايات المتحدة الأميريكية للسيطرة على العالم وعلى مصادر الطاقة وخاصة بعد التطورات الجديدة في العالم والناتجة عن الحرب الروسية - الأوكرانية ؟ أم أنها ستكون بؤراً جديدة للتوتر ونوعا جديداً من الحروب بين الكيانات الجديدة والقديمة ، هذا ويبقى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كان مطلوب تنفيذه على جناح الفوضى الخلاقة من طرف الولايات المتحدة الأميريكية لم يكن في الحقيقة وليد أحداث 11 سبتمبر 2001 أو إختراعاً من إدارة المحافظين الجدد في البيت الأبيض لينفذها الرئيس جورج بوش الإبن وسيط الصهيونية العالمية ، وإنما هو مشروع تم دراسته بعناية فائقة من خلال مراكز دراسات متخصصة حتى بعد حرب أفغانستان وسقوط الإتحاد السوفياتي ، وإنما فكرة هذا المشروع كانت قد بدأت عام 1980 ، فكان هذا المشروع من إختراع اليهودي الأميريكي البريطاني الأصل برنارد لويس ، هذا المشروع الذي يشمل منطقة الشرق الأوسط بكاملها حيث يشمل كل من تركيا وإيران وأفغانستان ، حيث كان قد تقدم بمشروعه هذا للكونجرس الأميريكي وتمت الموافقة على هذا التقسيم بعد دراسته والإقتناع به والإقرار بأهميته في عام 1983 ، ثم بدأت بعد ذلك دراسات هذا التقسيم للوصول بعد ذلك إلى مرحلة التطبيق العملي له لضرورات الإدارات الأميريكية المختلفة والمتعاقبة ومع إختيار الوقت المناسب لبدء التطبيق الفعلي بتقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة طائفية يسهل التحكم فيها وتكون في نهاية الأمر تابعة للولايات المتحدة الأميريكية وتدور في فلكها وفلك إسرائيل ، هذا وقد قامت الولايات المتحدة بإستنفار العصبيات العرقية في أغلب البلدان العربية كما قامت بفتح المجال شاسعا للمنظمات والأحزاب المعارضة تمويلاً وتأييداً بغرض زعزعة معظم البلدان العربية وعدم إستقرارها ، وتبقى إيديولوجية الفوضى لا تنحصر في جانب إشاعة الفوضى كغاية في حد ذاتها فحسب بل أيضاً كوسيلة وأداة تستطيع بعدها الولايات المتحدة الأميريكية إدراك ما لم يتم لها إدراكه إن إستقامت الأنظمة في البلدان العربية ، فهي تتطلع لإيجاد مسوغات على الأرض عسكرياً بالأساس وتفتح لها بعد ذلك سبل إحتلال الأراضي والمواقع الجيو ستراتيجية في المنطقة العربية ثم بعد ذلك تملي طبيعة أنظمة الحكم السياسية التي تتصور إقامتها وفق تصورها وتعزيز مقاومتها وضمان الإستقرار لمكوناتها ، لهذا فالولايات المتحدة الأميريكية لم تصوغ إيجابية الإحتلال العسكري بل تريد إبرازه وكأنه الممر الطبيعي والضروري لبناء الدول العربية وبناء إقتصادياتها عبر التدمير وإعادة البناء الإيجابي ، كما أنه بعد فكفكة أفغانستان والعراق إنتقل ثقل تدخل المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميريكية وكلهم من الحركة الصهيونية العالمية إلى تفتيت السودان والعمل على زعزعة إستقرار وأمن إيران الموحد وما الأحداث المؤسفة الأخيرة إلا خير دليلاً على ذلك ، وكذلك اليمن جرياً وراء إعادة تقسيمه ، كما أنه في الحقيقة الولايات المتحدة الأميريكية وإسرائيل لم تكونا وحدهما اللاعبين الأساسيين في عملية صياغة الشرق الأوسط الجديد بل قد إلتحقت بهما دول أخرى إقليمية كانت قد تلاقت مصالحها الإستراتيجية معهما خاصة من جانب تقسيم المغانم ، إنطلاقا من فكرة ليس القديم بالرأسمالية هو الذي يفرز الجديد وإنما إزاحته التامة هي التي تقوم بذلك والذي يتمرس وراء الإزاحة إياها إنما هو المقاول المبدع الذي يجري خلف السلعة الجديدة والمزج الإنتاجي الجديد والسوق الجديدة ومصادر الطاقة الجديدة فهذا هو النظام التقدمي بالتأكيد حتى وإن بدا ظاهرياً غير مرغوب فيه ، وهذا معناه أن المنافسة الهدامة هي أيضا تدمير هدام يساهم في خلق ثورة داخل البنية الإقتصادية عبر التقويض المستمر للعناصر الشائخة ولخلق المستعمر للعناصر الجديدة ، وانطلاقاً من إقتناع الولايات المتحدة الأميريكية بهذه الفكرة فقد فرضت على المنطقة العربية بذور التفتيت من الداخل ، حيث بعد إحتلال العراق وتدميره قامت بتقويض سبل النهوض وقسمته إلى طوائف ومذاهب وأحزاب تتناحر ، كما أثارت حساسية السودانيين على بعضهم البعض بإسم حق تقرير المصير ، وتبقى فكرة الفوضى الخلاقة قد تبلورت من تجربة الولايات المتحدة الأميريكية في الصومال حيث بعد أن عجزت الولايات المتحدة الأميريكية عن الإحتفاظ بقواتها في هذا البلد المغلوب على أمره ، فكرت في الإستمرار بمواصلة تدميره في عقد السبعينيات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن طريق تغذية الصراعات الداخلية والإستعانة بأطراف خارجية ، وقد شكل غزو الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001 مدخلاً لإستهداف العراق للسيطرة على ثرواته النفطية التي هي من الأكبر في العالم وتدميره كقوة إقليمية كبيرة تهدد الكيان الصهيوني ، كما كان في مخططها المستقبلي بعد العراق قد تكون باكستان التي لم توافق الدول الغربية على السماح لها بالدخول في النادي النووي ، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تفكر في العمل على تقسيمها على أسس عرقية ومذهبية ودينية ، كما أن خطة الشرق الأوسط الجديد التي تم تصميمها داخل أجهزة الأستخبارات في الولايات المتحدة الأميريكية والتى إنكب المحافظون الجدد في فترة حكم الرئيس الأميريكي السابق جورج بوش على تنفيذها بعزيمة قوية بإقامة أكثر من خمسين كيانا في المنطقة الممتدة من أفغانستان إلى سواحل المحيط الأطلسي ، في محل الأقطار الموجودة حاليا وغالبيتها عربية ومسلمه ، بهدف خلق أوضاع سياسية وأقتصادية تسمح للولايات المتحدة الأميريكية وما كان يوصف بالديموقراطيات الغربية بإيجاد مناخ ملائم لضمان تزودها على المدى الطويل بمصادر الطاقة النفطية والمتجددة من جهة والتحكم فيما يصفه بعض الجغرافيين بمركز العالم القديم بكل ما يعنيه ذلك من قدرة على صياغة الوضع العالمي خلال عقود ، وقد كان تطبيق هذه الخطة أو هذا المشروع الذي كان قد شكل يومها الصيغة الأحدث للعملية الإستعمارية والذي كان قد بدأ مع بداية القرن العشرين ، والذي كان يستهدف تفتيت الأقاليم التى كانت قد إنتزعت من الإمبراطورية العثمانية وتشكيل دول مختلفة ، وتمهيد الطريق لتحويل الأراضي الفلسطينية إلى مركز إستيطان لليهود ، وهذا قد يؤدي إلى تشكيل حاجز جغرافي بين شرق وغرب الأمة العربية ، إلا أنه في الحقيقة هذا التفتيت لم يكن كافياً ولم يكن محققاً لغرض الولايات المتحدة الأميريكية والصهيونية العالمية لأن هناك أقطاراً عربية كانت قد تمكنت من بناء قواها الذاتية وأصبحت قادرة على إعادة تشكيل موازنات الأمن الأقليمي التي فرضتها القوى الإستعمارية ، كما أن هناك أقطاراً عربية أخرى كانت قد تمكنت من إستعادة أجزاء كبيرة من أراضيها وتوحيدها ومنع المزيد من التشرذم وبناء الكيانات الهزيلة ، كما أن مسيرو البيت الأبيض كانوا قد طرحوا عدة أساليب لتنفيذ هذا المشروع يعني مشروع التفتيت فزيادة على العمل العسكري المباشر أو ( بالوكالة ) كانت هناك فكرة الفوضى الخلاقة والتي إعتبرت يومها أحد أعمدة التدخل الخفي لرسم الخارطة الجديدة للمنطقة العربية .





المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات


تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير