ظاهرة التسول بين الوعي واللاوعي للمواطن الاردني
نبأ الأردن - كتب مصطفى محمد - سمعت الكثير عن ظاهرة التسول من قبل الأطفال واستغلال ذويهم لهم من أجل كسب المال ، لكنني لم اكن أتخيل يوما أنني سأشاهد على أرض الواقع أسلوبا بشعا في تسخير الأطفال لذلك ، دون الإلتفات لما قد يتعرضون له .
فتاة لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها طرقت بيدها ، وفي ليلة شديدة البرد ، وتحت غزارة الأمطار ، زجاج نافذة مركبتي ، بيديها المرتعشتين بردا ، والمبتلتين بقطرات المطر ، فالتف لها وفتحت النافذة مبتسما ، وبصوت رقيق مرتعش قالت " يا عمو جسدي ليس للبيع ولكن لم يعد ببيتنا كاز واحتاج إلى المال لشرائه " ساعدني ! ، وطبعا كأي مواطن أخذتني العاطفة ومددت يدي الى جيبي ، فأخرجت بعض النقود ووضعهتهم بيديها المبتلتين وذهبت تركض إلى والدها الذي كان ينتظرها على رصيف الشارع .
انتابني الفضول لمعرفة وضع أسرتها ، فأوقفت السيارة على يمين الشارع وتوجهت لوالدها وأخبرته ان هناك بعض الجهات تقدم مساعدات ، واقترحت عليه التوجه اليهم ، أو ابلاغهم عنه حتى يتوجهوا اليه ويدرسوا حالته ويقدموا ما يلزم ، ولكنه رفض بشدة وأشهر بوجهي أداة حادة قائلا : " هنا رزقتي ونحن نتسول وان لم تذهب سيذهب احدنا عند الله" فأصبت بالصدمة وعدت أدراجي مذهولا .
مشهد مؤلم يعكس مدى خطورة تسول الاطفال ومدى تراخي اسرهم واجبارهم على ذلك مقابل المال الذي سيكون يوما ما سببا في ضياع اطفالهم هذه الصورة لا تعكس صورة الأردن الحقيقة ولكنها أصبحت ظاهرة منتشرة بين ازقة الشوارع وبين الأطفال جراء اهمال الأهالي لطفولة اطفالهم وبالتالي ما يحدث
التسول ليس مقتصرا على الشكل المعهود الذي نألفه ، بل بات يأخذ أشكالا مختلفة ظاهرها أنه قانوني عادي ، ولكن في باطنه هذه الظاهرة المقيتة والآخذة في التنامي ، فأصبح التسول على شكل مهن خفيفة كبيع الصحف ، والبسطات ، ومسح زجاج المركبات وما الى ذلك من سلوكيات يستخدمها المتسول لإيهام المواطن وإحراجه لدفع المال، وبشكل لا يلفت أنظار الجهات المعنية بمكافحة التسول.
أحمد قال ان ظاهرة التسول اليوم أصبحت تحت غطاء البيع عبر البسطات ، وهي مشكلة جديدة أصبحنا نواجهها في كل شوارعنا ، مضيفا ان التوسع في انتشار ظاهرة التسول يعود في الدرجة الأوولى لغياب وعي المواطن ، فهو الذي يقدم المال للمتسولين دون التأكد من أحقيتهم بالمال ، الأمر الذي يشجعهم على الانتشار عند الإشارات الضوئية وامام المحال التجارية وفي الأماكن العامة .
من جهته قال خالد ان طرق التسول أصبحت متاحة بكل مكان وبطرق مختلفة وأساليب مفجعة ، فنرى الطفل يقفز امام السيارة ويبدأ بمسح الزجاج مقابل مبلغ زهيد ، وهنا أجد نفسي مضطرا لدفع المال له ، من باب جبر الخاطر ، ومنهم من يبيع العلكة أو سلعا أخرى في الطرقات وقرب الإشارات ،ومنهم من يصطف امام المساجد طالباً العون من الناس، محملا المسؤولية على المواطن في الدرجة الأولى قبل الدولة والجهات المعنية.
وعبر عمر عن رفضه التبرع بالمال لأي شخص في الشارع ، مشير الى أن العاطفة تغلب مشاعر الإنسان ، ولكنني أصر على رفض التبرع لأي شخص في الشارع فأنا لست مقتنعا بهم ، مضيفا أن هناك جمعيات مختصة وخيرية تقوم على مساعدة المحتاجين وأنا أتبرع لها وهي بدورها توصل التبرع لمستحقيه .
وتابع أن هناك صناديق في المساجد للتبرع ، مشددا على أن ما نراه في الشارع من أساليب التسول لا تليق بالمجتمع الأردني وتعكس صورة سلبية عنه.
سعاد أشارت الى أسلوب جديد في التسول ، عبر الهاتف وتستخدمه الإناث ، مستغلين أطفالهن لجذب عطف المحسن ، مشيرة إلى ان التسول الإلكتروني عبر مواقع التواصل الإجتماعي حقق نجاحا باهرا جراء غياب الوعي لدى المواطنين ونتيجة تحمسهم لتقديم يد العون والمساعدة لفتاة طلبت المساعدة منهم .
وبدوره قال أحد فاعلي الخير لم نعد نعرف العائلة الفقيرة والمحتاجة و لقد اختلط الحابل بالنابل، فالأسر العفيفة لا تسحق كرامتها من أجل مونة أو معونة مالية بسيطة، بل تتعفف عندما يساعدها أي إنسان وتكتفي بحاجتها، لكن ما يحدث ان المتسولين لا يتوقفون عن السؤال بالاتصال هاتفيا عشرات المرات يوميا، وفي حال حذف أرقامهم يستخدمون أرقاما غيرمعروفة.
وأشار إلى أنه يتلقى يوميا مئات الاتصالات والرسائل النصية والتي هي نفس الرسالة من جميع الأرقام وهي " خطية أطفالي برقبتك " وهذا أمر غير مقبول ولا يمكن السكوت عنه .
وبدوره قال عبد الكريم الخصاونة مفتي المملكة الأردنية ان التسول يسيئ لسمعة المجتمع الأردني ويجعل المتسول يظهر بصورة المحتاج والذليل وهو ما نهى عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم مشيرا إلى ان الإسلام كرم الأنسان وحرص على حفظ كرامته وصون نفسه عن الابتذال والتعرض للإهانة والوقوف بمواقف الذل والهوان.
وأشار إلى ان المحترف لهذه المهنة القبيحة يأكل أموال الناس بالباطل، ويُطعم أبناءه مالاً حراماً ويسيء لنا كمجتمع مثقف وواعي مضيفا إلى ان الإسلام حرم مهنة التسول.
بدوره أكد الاستاذ الدكتور حسين الخزاعي الخبير الاجتماعي أن التسول هي مهنة أصبحت في الوقت الحاضر لعمالة الأطفال جراء تعلم الأطفال من الأهل كل ما يستلزم مهنة التسول منوها إلى أن الاهل أصبحوا يرون هذه الظاهرة مربحة لما يحققونه من نتائج وبذلك يخضع الطفل لأوامر والديه من توجيه وتحفيزهم لممارسة التسول.
وأضاف ان الأهالي يستخدمون أطفالهم نتيجة التأثير الكبير للطفل على فاعل الخير بالشفقة والحزم عليهم وحصولهم على مرادهم من المتبرع.
وأكد على أنها ظاهرة غير صحية ، وان المواطن شريك اساسي بانتشار هذه الظاهرة جراء تقديم المساعدة دون معرفة الشخص هل هو محتاج أو لا ، مشددا على ان أخطر ما في التسول هي ظاهرة الاناث لتعرضهن لجميع انواع المواقف نتيجة ممارستهم هذه الظاهرة.
وتابع الخزاعي أنه على المواطن عدم انتظار دور الدولة للقضاء على ظاهرة التسول ، بل يجب تنشيط الوعي لدى المجتمع بجميع فئاته أن ليس كل متسول هو محتاج ، مشيرا إلى أنه يجب اعداد دراسات اجتماعية عنهم والتأكد من أحوالهم وتشجيعهم على الدراسة والتعليم وتلبية حاجات الطفل للقضاء على التسول.
ومن جهة أخرى أضافت إخصائية التنمية الاجتماعية المختصة بذوي الاحتياجات الخاصة ملاك رواشدة بأن التسول لا يقتصر على الأشخاص العاديين فقط وإنما أيضا الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين نشاهدهم في الأماكن العامة وهذه ظاهرة يجب القضاء عليها قبل أن يختل التوازن بين ذوي الاحتياجات الخاصة.
ولفتت إلى أن الراتب الذي يتقاضاه الفرد من ذوي الاحتياجات الخاصة من التنمية الاجتماعية مقداره 30 دينار لا تكفى لسداد احتياجاتة إذا كان وضع العائلة الإقتصادي سيئ ، منوهة إلى أن الكثير من الأهالي يدفعون بأطفالهم من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى التسول نتيجة تكاليف رعايتهم المكلفة على العائلة ولا يستطيعون تلبيتها.
وأشارت إلى أن ارتفاع أسعار المراكز إلى 150دينار لاحتواء الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة هو سبب انتشار هذه الظاهرة لصعوبة تأمين هذا المبلغ شهريا ، مشيرة إلى أن الأشخاص يعطفون على ذوي الاحتياجات الخاصة بإعطائهم المال أكثر من أي متسول اخر، وأن غياب وعي المواطن في ذلك يجعله شريكا اساسيا بانتشار هذه الظاهرة بين ذوي الاحتياجات الخاصة .
واكدت على ان التشاركية بين المواطن والجهات المعنية والدولة يجب أن تظهر للمساعدة على القضاء عليها ، منوهة الى ان الوعي لدى فئات المجتمع هي الخطوة الأولى والصحيحة للتخفيف منها حتى القضاء عليها.
وقال الناطق بأسم دائرة الآثار سابقا الأستاذ أشرف الضباعين ان ظاهرة التسول لن تنتهي فهي تعد اليوم مصدر دخل لعصابات شبه منظمة نتيجة تشغيل الأطفال والنساء لصالحهم مقابل نسبة 20٪ لهم.
وأضاف ان كورونا ساهمت بشكل كبير على انتشار ظاهرة التسول نتيجة الشلل الاقتصادي في بعض أجزاء الشركات الخاصة مما دفع الآباء لتعليم أطفالهم التسول للحصول على المال ، مشيرا إلى أن الأهالي لا يكتفون بخروج أطفالهم إلى الشارع لساعات معينة بل يجبرونهم للبقاء لساعات من المساء لكسب المال بشكل كبير.
وأضاف ان هذه الظاهرة باتت تشكل خوفا لدى السائح نتيجة الإلحاح عليهم من قبل المتسول عدة مرات لأخذ المال منهم وبالتالي سيتكون لدى السائح صورة غير حقيقة عن السياحة بالأردن.
ودعا المواطنين إلى عدم إعطاء المال نقدا بل شراء حاجة المتسول وفي حال الرفض تجنب المساعدة وعدم إعطاء من في الشارع مشددا على ان هناك جهات وجمعيات خيرية للتبرع او التكفل بدفع فاتورة الكهرباء او الماء او شراء احتياجات البيت للعائلة او للمتسول .
هي ظاهرة يجب القضاء عليها بأي شكل من الأشكال.
الناطق الإعلامي بأسم وزارة التنمية الإجتماعية أشرف خريس قال ان المتبرعين يقعون ضحيه التسول على ارض الواقع وعبر مواقع التواصل الإجماعي من خلال اظهار مختلف انواع واشكال جوانب الشفقة في اجسادهم وملابسهم، بهدف الايقاع والتغرير بالمتبرعين ( المواطنين مانحي المال للمتسولين).
وأضاف ان وزارة التنمية الاجتماعية تعمل شركائها المعنيين بظاهرة التسول وهم مديرية الامن العام ووزارة العدل وامانة عمان الكبرى والبلديات على تنفيذ حملات مكافحة التسول في جمع انحاء المملكة وفي جميع الاوقات وخلال العطل والاعياد الرسمية والمواسم المختلفة مشيرا إلى ان الوزارة تعمل على نشر الاخبار المتعلقة بضبط المتسولين والذين يتبين بعد اجراء الاستعلام عنهم ان بعضهم غير محتاجين بل يمتهنون التسول كاحد الوسائل للحصول على المال بطريقة سهلة ونشر تلك الاخبار بمختلف وسائل الاعلام المختلفة.
كما عملت الوزارة على معالجة هذه الظاهرة من خلال تغليظ العقوبات على جرم التسول وفقا للمادة 389.
ولفت إلى ان توسع ظاهرة التسول تقع بالدرجة الأولى على المواطن فعندما يمتنع المواطن عن منح المال للمتسولين ويتوجه الى الجهات المرخصة والرسمية المعنية بهذه الفئات، عندها لن يجد المتسول من يمنحه المال وسوف يعكف عن الاستمرار في التسول والعكس صحيح.
ونوه إلى ان مسؤولية رعاية الاطفال بالدرجة الاولى هي مسؤولية الاب والام والاهل من الاعمام والاجداد. إلا ان الدور الحكومي ياتي عندما يكون الطفل فاقدا للسند الاسري ومحتاج للحماية والرعاية ، وهنا ياتي التدخل باجراء الدراسات الاجتماعية اللازمة واصدار القرارات الرسمية التي تصب في مصلحة الطفل الفضلى بايداعه في دور الرعاية والحماية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية.