المعشر يدق ناقوس الخطر: على السلطة التحرك لضمان السلم الأهلي
نبأ الأردن –استضاف المنتدى العالمي للوسطية في ندوة فكرية بعنوان ” الأردن: الواقع والتحديات المستقبلية"، وقال الوزير الاسبق والسفير الاردني في تل ابيب الاسبق الدكتور مروان المعشر خلال الندوة ،نحن اليوم على مفترق طرق، فالطرق القديمة وأدواتها لاتصلح الآن ولم تعد السلطة التنفيذية تملك تلك الأدوات القادرة على الاصلاح.. فارتفعت المديونية وزادت البطالة وزاد الفقر، فحجم البطالة وصلت إلى 50% وعلى السلطة التحرك لضمان السلم الأهلي والاستقرار.
وتابع قائلا:" إن لا أبالغ إذا قلت ان الناس ملت من الحديث عن الإصلاح السياسي، واضاف إن النظام السياسي الأردني لم يحسم أمره بعد في مسألة الإصلاح وان الإصلاح ما زال يصطدم بالحائط ، وقال.. ما زالت الأحزاب ضعيفة والتمويل لها ضعيف أيضا".
نحن اليوم على مفترق طرق، فالطرق القديمة وأدواتها لاتصلح الآن ولم تعد السلطة التنفيذية تملك تلك الأدوات القادرة على الاصلاح.. فارتفعت المديونية وزادت البطالة وزاد الفقر، فحجم البطالة وصلت إلى 50% وعلى السلطة التحرك لضمان السلم الأهلي والاستقرار.
واشار الى إن اللجنة الملكية تشير إلى وعي لدى الحكومة لمواجهة التحديات، لكن هل الأفعال تنسجم مع الأقوال، وقال لقد انتقلنا من هندسة الانتخابات الى هندسة الأحزاب فالأدوات القديمة مثل تدخل الأجهزة الأمنية والأموال لايمكن أن تحقق إصلاحاً سياسياً، لذا نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد أو ما يسمى بالميثاق الوطني الذي لو قنن لكان عقداً اجتماعياً لأنه اتفاق بين جميع مكونات المجتمع الأردني.
وتالياً نص كلمة معالي الدكتور مروان المعشر:
ندوة المنتدى العالمي للوسطية
مروان المعشر
الاردن الواقع و التحديات المستقبلية
الاخوات و الاخوة الكرام
الشكر للاستاذ مروان الفاعوري و للمنتدى على استضافتي
لا ابالغ ان قلت ان الناس سأمت الحديث عن الاصلاح السياسي و الاقتصادي، بعد ان تكرر وضع العدد الهائل من الخطط المفترض فيها تحقيق ذلك الاصلاح المنشود ليتم بعدها وضعها على الرف ثم وضع خطط اخرى بعد سنين تمر لا يختلف مضمونها كثيرا عن تلك التي سبقتها.
واقع الحال اليوم ان النظام السياسي الاردني، بكافة اذرعه وبخاصة التنفيذية منها، لم يحسم امره باتجاه تنفيذ الخطط الممتازة التي تم وضعها بكفاءة من اردنيين واردنيات على مدى العقود الماضية.
ولا زال الرأي السائد في السلطة التنفيذية ان كلفة الاصلاح عالية درجة القبول بالوضع القائم على علاته. تبعا لذلك، اصطدمت كافة الخطط الماضية بحائط مقاومة تنفيذها بشتى الوسائل، ووضع اللوم على كل شيء عدا السلطة التنفيذية نفسها، فالاحزاب ضعيفة، والاخطار الخارجية لا تتيح لنا التقدم في العملية الاصلاحية، والبلد امكاناته ضعيفة و بحاجة للمساعدات الخارجية، وعدا ذلك من الحجج التي تمنع اعتماد نظم سياسية واقتصادية جديدة تتيح للاردن الوقوف على قدميه سياسيا واقتصاديا، كما فعلت قبله العديد من الدول التي اعتمدت ليس فقط على خطط ناجعة، ولكن ايضا على ارادة سياسية للتغلب على العقبات التي تقف في طريق تنفيذ هذه الخطط.
نحن اليوم على مفترق طرق، فالادوات القديمة لم تعد تصلح لادامة الاستقرار و السلم الاهلي، اضافة الى تحقيق الازدهار المنشود.
فقد تعرضت الادوات الامنية و المالية التي استخدمت في الماضي لادامة السلم الاهلي الى هزات كبيرة بعد الثورات العربية و الاحتجاجات الاردنية عام 2011 و بعد انهيار اسعار النفط عام 2014، و لم تعد السلطة التنفيذية تملك نفس القدر من هذه الادوات كما في الماضي، فاقم من ذلك ازمات متكررة مثل جائحة كورونا و الحرب الروسية الاوكرانية ما رفع معدلات البطالة والدين والتضخم الى مستويات غير مسبوقة.
فاذا ما اضفنا الى ذلك حجم فجوة الثقة اليوم بين المواطن و مؤسساته، بات من الواضح ان الوضع القائم، مع حجم البطالة بين الشباب الذي يقارب الخمسين بالمائة، يعني ان الدولة الاردنية عليها التحرك وبسرعة، وعلى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لضمان السلم الاهلي والاستقرار
هل تعي الدولة الاردنية خطورة الوضع؟ اعتقد ان اللجنة الملكية التي شكلت العام الماضي لتحديث المنظومة السياسية، اضافة الى الخطة الاقتصادية التي اطلقت مؤخرا، والجهود المبذولة لاطلاق خطة لتطوير القطاع العام، كلها دليل ان الدولة بدأت ان تعي ان عليها التحرك لمواجهة كافة هذه الاوضاع الصعبة.
لكن السؤال اليوم هل ما يتم فعله كاف؟ وهل الارادة اليوم عند كافة اذرع السلطة التنفيذية قد تغيرت بحيث تبلورت قناعة بضرورة الانتقال لحياة حزبية نيابية حقيقية واقتصاد معتمد على الذات والكفاءة لا المحسوبية، اقتصاد يتعدى مفهوم الجباية ويؤسس لزيادة الانتاجية والمعالجة الحقيقية لمشكلة البطالة؟
لا يبدو لي الجواب واضحا حتى اليوم، لان الجواب الواضح يعتمد على الافعال و ليس على الاقوال و اطلاق النوايا الحسنة.
وبالتحديد في المجال السياسي: بغض النظر عن الملاحظات العديدة التي رافقت تشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية، وبعض مخرجاتها، فان ترجمة هذه المخرجات لقوانين جديدة للاحزاب والانتخاب خطوة تقدمت على مخرجات اللجان التي سبقتها، بما في ذلك لجنة الميثاق الوطني والاجندة الوطنية، وهذا بذاته تطور ايجابي، ويجب تثمينه.
ولكن الانتقال السلس و المتدرج من الوضع القائم اليوم الى نظام حزبي برلماني يتطلب رفع يد الدولة عن تشكيل الاحزاب.
فلا يعقل ان ننتقل من هندسة الانتخابات الى هندسة الاحزاب، لأن عملية تطوير الاحزاب ان لم تكن عضوية تنبع من المجتمع بصورة متدرجة وليس عن طريق تدخلات هنا وهناك لن تنجح في نهاية المطاف بخلق احزاب تعتمد على قواعد جماهيرية لاستدامتها وليس على شيء اخر.
مرة اخرى، ما هو مطلوب هو الجدية و التدرجية وعدم التدخل في انشاء الاحزاب الجديدة ان اردنا تجسير هوة الثقة وشعور المواطن ان صوته ممثل ومسموع.
عدا ذلك، فان استخدام الادوات القديمة للتدخل في اقامة الاحزاب لن ينجح في حل المشكلات التي تواجهنا بل سيفاقمها.
في المجال الاقتصادي: علينا ان ندرك ان عصر الاعتماد على المساعدات الخارجيه في طريقه الى الافول، وان ما نحصل عليه من دخل خارجي عن طريق المساعدات المباشرة او حوالات العاملين ليس بديلا عن بناء اقتصاد ذاتي يعتمد على تعظيم الانتاجية وزيادة فرص الاستثمارات الخارجية وتطوير قطاع عام يعتمد على الكفاءة وليس على المحسوبية، قطاع يعي تماما ان مسؤولية الدولة توفير التعليم والصحة مجانا للمواطنين، ولكن مسؤولية خلق الوظائف وزيادة فرص العمل تقع على عاتق القطاع الخاص، وان مسؤولية القطاع العام هي توفير البيئة التشريعية الملائمة لذلك ومراقبة النشاطات الاقتصادية، وعدم وضع العراقيل امام القطاع الخاص كما هو الحال حاليا.
لا تستطيع السلطة التنفيذية الاستمرار في كونها المشغل الرئيس للعمالة، وان تعتمد الواسطة والمحسوبية في الكثير من الاحيان لفعل ذلك، وفي نفس الوقت، فانها ايضا لا تستطيع ان تهمل طبقة كبيرة من المواطنين لم تحصل على التأهيل اللازم كي تعمل في القطاع الخاص، ومن واجبها القيام بذلك.
من هنا تبرز اهمية الانتقال لنظم تعليمية جديدة. فالتعليم النوعي اساس لمستقبل زاهر للاردن، كما ان في غيابه دمار لمستقبل البلاد.
علينا ان ندرك ان إصلاح التعليم ضرورة للبقاء و ليس ترفا فكريًا أو نخبويا أو مؤامرة خارجية.
التعليم النوعي المطلوب ليس موجها ضد الدين أو الثقافة العربية و لا يجب ان يكون، بل هو انتقال نحو اعتماد إطار فكري جديد عماده قبول التعددية الفكرية، والإدراك ان في الاختلاف قوة ومنعة ودفع باتجاه التجديد المستمر، فالإبداع والانتاجية وفرص العمل لن تاتي بعد اليوم الا من خلال اطلاق حرية الفكر باتجاه قبول التعددية في الفكر ونمط الحياة، وتعليم النشء التفكير الناقد والتمحيص واسس الحوار والبحث عن المعلومة وحرية التعبير، اما الإصرار على احادية الفكر والتصرف والأنظمة الأبوية فهو عنوان الخمول والتقوقع في عالم متغير باستمرار.
حان الوقت لتضافر الجهود ومن كافة القوى الفكرية المجتمعية لوضع نظم تربوية جديدة لا تؤهل الجيل الجديد للعمل في القطاع الخاص فحسب، ولكن للتعامل مع تحديات الحياة المستجدة في عالم اصبحت وتيرة التغيير فيه اسرع بكثير من قبل.
وفي المجال المجتمعي، فلا فرصة لتقدم اي مجتمع ما لم تشعر كافة مكوناته بالمساواة امام القانون، فعلا و ليس قولا، وبغض النظر عن الاصل او الدين او الجنس او الفكر او الحالة الاجتماعية.
لا نستطيع ان نبقى اسرى لهواجس الماضي، ولا ان نستخدم الدين ذريعة لعدم مساواة المرأة بالرجل تشريعيا، ولو خارج موضوع الميراث؛ فما من وطن بني بسواعد جزء من مكوناته دون الاجزاء الاخرى.
وبالطبع، لا يكتمل الحديث عن التحديات التي تواجه الاردن بغير الحديث عن مستقبل القضية الفلسطينية وما نشهده اليوم من اطروحات تحاول حل القضية على حساب الشعبين الاردني والفلسطيني.
اسرائيل تعيش اليوم مأزقا حقيقيا، فالفلسطينيون باتوا اغلبية داخل المناطق التي تسيطر عليها، والوضع الحالي غير قابل للاستمرار، خاصة وقد بدأت العديد من المنظمات الدولية بنعت اسرائيل بتطبيق نظام الفصل العنصري او الابرتهايد.
اليمين الاسرائيلي لا يرغب باقامة دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، ويفعل كل ما في وسعه لتهجير الفلسطينيين من ارضهم و الاستيلاء على كامل الارض الفلسطينية ومنع وجود اغلبية فلسطينية عليها، ولكنه لم ينجح في ذلك، فالصمود الفلسطيني على الارض الفلسطينية ماثل للجميع.
اما اليسار الاسرائيلي، او ما تبقى منه، فلا يرغب في انهاء الحلم الصهيوني بدولة يهودية على ما يتيسر من ارض فلسطين، ولكنه يصطدم هو الاخر بحقيقة الغالبية الفلسطينية اليوم، ولذا يحاول التخلص من هذه الاغلبية عن طريق اقتراح بان تضم الى الاردن ومصر، او الطلب منهما ادارة هذه المناطق بعد ان يتم ضم القدس و المستوطنات وغور الاردن
في مقابلة مع صحيفة هاآرتس عام 2019، قالها المؤرخ الاسرائيلي الشهير بني موريس، و هو من اوائل من فضح بالتوثيق وجود خطة اسرائيلية لتهجير الفلسطينيين عام 1948، و بكل صراحة. “لا اعرف كيف سنخرج من هذا المأزق، وهناك اليوم عدد اكبر من العرب مقارنة باليهود بين البحر الابيض المتوسط ونهر الاردن.
نحن نسير نحو دولة واحدة ذات اغلبية عربية، وهو وضع نحكم بموجبه شعبا محتلا دون حقوق، هذا وضع لن يسود في القرن الحادي و العشرين”
وطالما بقي مأزق الغالبية الفلسطينية شوكة في حلق اسرائيل، سيحاول العديد من الاسرائيليين اقتراح حلول “خلاقة”، تصب جميعها في اطار ترحيل المشكلة الى الاردن بشكل خاص، حتى لا تضطر اسرائيل للتعامل معها ضمن الحدود التي تسيطر عليها، وحتى لا يموت الحلم الصهيوني بدولة يهودية خالصة لدى كافة مكونات المجتمع الاسرائيلي، المتشددة منها كما الليبرالية على حد سواء.
ضمن اطار هذه السردية، يمكن لنا فهم المحاولات الاسرائيلية المتكررة حل القضية الفلسطينية على حساب الفلسطينيين و الاردن على حد سواء، وايهام الناس ان مثل هذه الحلول تحظى بقبول اردني او فلسطيني.
ولكن ما هو ليس مفهوما ان تتبنى هذه الحلول جهات عربية، سواء كانت من افراد او مدعومة من دول بعينها.
لقد شهدنا في الاونة الاخيرة مقالات من شخوص عربية، ممن لم يعرف عنهما تاريخ فكري او سياسي، يتم فيها اقتراح حلول لا تلبي التطلعات الوطنية الفلسطينية على الارض الفلسطينية، بل تقترح اشكالا تكاد تكون الاقرب لدولة فلسطينية خارج التراب الفلسطيني، او تحديدا على الارض الاردنية، وهو ما لا يقبل به فلسطيني او اردني، ولن يقبل.
لا تكمن المشكلة في المقالات نفسها، اذ انها كتبت من هواة في السياسة و بطروحات غارقة في التبسيط، و لكن المشكلة تكمن فيما اذا كانت هذه المقالات بمثابة بالونات اختبار من جهات رسمية عربية.
فاذا كان الحال كذلك، وآمل ان لا يكون، يصبح السؤال مشروعا لمصلحة من عدا اسرائيل يكمن طرح هكذا مشاريع؟
مع هذا كله، وبغض النظر عن الجهات التي قد تقف وراء مثل هذه المقالات او لا تقف، فان واقع الحال يشير بوضوح الى ان الشعب الفلسطيني صامد على ارضه، وان الفلسطينيين داخل الخط الاخضر كما اولئك تحت الاحتلال يشكلان معا، وبشكل اكثر توحدا من اي فترة سابقة، راس حربة ضد المشاريع الاسرائيلية العنصرية، وان ما عجز السلاح والدبلوماسية عن تحقيقه سيتم عن طريق الغالبية العددية المتزايدة
ان الجدية العربية المطلوبة لدعم الجانب الفلسطيني يجب ان تتمثل بدعم صموده على الارض الفلسطينية، وليس عن طريق اقتراح حلول تتماهى مع المصلحة الاسرائيلية في الاستيلاء على الارض الفلسطينية ومحاولة منع الفلسطينيين من تحقيق تطلعاتهم على ترابهم الوطني.
اسرائيل اليوم في مأزق حقيقي و تاريخي، فلمصلحة من يحاول البعض اخراجها من هذا المأزق؟
وفي النهاية، فما من شك ان الاردن يتعرض لضغوط داخلية وخارجية جمة، ولكن ما من شك لدي ان باستطاعتنا التغلب على كل هذه التحديات ان وجدت ارادة سياسية تنظر الى كافة مكونات المجتمع كشركاء لا خصوم، وان تضافرت جهود كافة هذه المكونات مجتمعة، كما النظر الى بعضها البعض ايضا كشركاء لا خصوم.
فصلابة الجبهة الداخلية من شأنها وضع الحلول لكافة تحدياتنا و تنفيذها، كما ان تفكك هذه الجبهة من شأنه الاتيان بعواقب وخيمة على مستقبلنا جميعا.