د.ماجد الخواجا يكتب : مرحلة التفاهة الاجتماعية في زمن التيك توك

{title}
نبأ الأردن -

على سبيل " حدا سأل عني، علبة طون بخمس نيرات، التنين الصيني، جيش رامي العبد الله، أبو جركل، شمس الكويتية، هناء الأسطورة، هرم صويلح ، …."
د. ماجد الخواجا
حين قالت فيفي عبده إلى الأديب نجيب محفوظ « شفت الأدب عملك إيه وقلة الأدب عملت لي إيه »
وكما قال مؤلف كتاب نظام التفاهة الصادر عام 2017، بأننا نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة تتعلق بسيادة نظام أدى تدريجيا إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل الدولة الحديثة.
لقد صعدت قواعد الرداءة والانحطاط وتدهورت متطلبات الجودة، وتم تغييب الأداء الراقي الرفيع، وتهميش منظومة القيم، وبروز الأذواق المنحطة، فتسيدت شرائح التافهين المشهد برمته، وكل ذلك تم دعمه وتعزيزه خدمة لأغراص التسويق والسلعنة والترويج وتحت شعارات الديمقراطية والحرية الفردية والشعبوية المخاطبة للغرائز والخيارات الشخصية والدوافع الدفينة المخفية.
لقد أصبحت المكافأة على قدر التفاهة، فكلما أبدع الفرد أو الجماعة في البذاءة والانحطاط والتفاهة، زاد حجم المكافأة لهم. المكافأة على الرداءة لا الجودة.!؟
نعيش عهد الرأسمالية المتوحشه، وهم الجاذبية الكارزمية، عطب المؤسسات، الفساد المقونن، تسليع الحياة الخاصة، الحضور المبتذل الرخيص، التسطيح للفكر والمواقف، غياب العقل برمته وخاصة النقدي منه، سلعنة كافة المجالات سواء التجارية أو السياسية أو الفنية أو التعليمية أو الرياضية أو الإعلامية.
في عهد التحول الرقمي والفضاء المفتوح والإعلام السريع ، فقد أصبحنا نعيش التفاهة مكتملة من خلال معايشة الممارسين لها إما بالمشاهدة الفيديوية أو عبر البث المباشر ، ليس هذا فقط، بل يمكن الانغماس في التفاهة من خلال التفاعل مع صاحبها بأشكال متعددة.
الآن من بتسيدون المشهد والسهرات الليلية وإضاعة الوقت في متابعتهم، هم الأكثر تفاهة وسفها وابتذالا ووضاعة.
بين شخص يؤدي بعض الحركات الرديئة ويختتمها بجملة تصبح كلاشيه وشعار له يكررها في كل فيديوهاته، وشخص يقوم باستخدام أفحش الكلام والشتائم والمسبات غير الأخلاقية، وشخص يستمتع في تعرية ما تبقى من كمية القيم الأخلاقية عبر سهرة ليلية ثنائية بينه وبين صبية حسناء يتم فيها مخاطبة الغرائز والشهوات بحيث يستخدم الكلمات الإباحية والطلب بتنفيذ حركات جنسية مع ألفاظ ليست فقط خادشة للحياء العام، بل ماسحة لأي حياء في الحياة. وشخص يستحث الغباء العام من خلال استعطاف المتابعين بالتندر والتهكم على شخص ما لديه إعاقة أو ضعف عقلي، وشخص يقوم بتكرار وجبة إفطار بنفس المكونات مع تهكم في الشرح، وشخص كل مفرداته اللغوية منحطة من خلال سيل الشتائم البذيئة، وامرأة تعرض شكلها بطريقة قبيحة لا تظهر فيها غير مؤخرتها العريضة المتضخمة بشكل مرضي، لكنها الكافية لتحصد ملايين المشاهدات، وإمرأة محتارة في كيفية فرز الغسيل مع حركات إباحية، وإمرأة تقوم بإطعام البهائم مع ضرورة وجود حركات شبقية. طبعا عدا عن عشرات وربما مئات الصبايا اللاتي يعرضن شيئا من أجسادهن بطريقة تكفي لضمان الحصول على متابعات بالملايين.
لقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال توفير فكرة الحصول على أموال سهلة عبر البث المباشر وزيادة أعداد المتابعين والمشاهدات ، بحيث أصبح التهافت لجني الأموال السهلة مهما كانت الوسائل. فلا محرمات ولا مقدسات ولا ممنوعات، فقط المطلوب تحقيق معيار وحيد يتمثل في عدد المتابعين وعدد المشاهدات والإعجابات.
هنا يطرح سؤال قيمي : إذا كانت غاية الأديب والمثقف والإعلامي والسياسي والرياضي والفني الحصول على الشهرة بغية حصد أكبر كمية من المكافأة، بنفس المنظور ألا يحق لأي إنسان السعي وراء الشهرة وجني المال بصرف النظر عن الطريقة ؟ هل هي ضيق عين وحسد من قبل الذين لا يستطيعون أن يصلوا لشيء مما يصل إليه نجوم السوشيال ميديا؟ والدليل أن كثيرا من الفنانين والسياسيين والفيسبوكيين والتويتريين وحتى من الدعاة المتدينين التحقوا متأخرين في ركب مواقع التواصل وخاصة اليوتيوب والتيك توك والسناب شات والإنستغرام وغيرها.
ثمة حادثتان معبّرتان في حياة الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، هما منطلق للحديث عن جوانب الرقص الشرقي في أدب محفوظ وإحسان عبد القدوس، مع الأخذ في الاعتبار أن الراقصة كوتشوك هانم كانت سحرت عشرات المثقفين، والراقصة تحية كاريوكا ألهمت إدوارد سعيد بنص ممتع والأمر نفسه مع شاكيرا التي « دوّخت » خيال الروائي غابرييل غارسيا ماركيز.
تقول الحادثة الأولى إن محفوظ التقى صدفة بالراقصة فيفي عبده أثناء خروجهما من إحدى الحفلات، فتبادلا أطراف الحديث وهما في طريقهما إلى مواقف السيارات، وبدا الاختلاف واضحاً بين سيارة محفوظ وسيارة فيفي عبده، فالأولى كانت من نوع « فيات» قديمة جداً والثانية من نوع «مرسيدس» حديثة جداً. وعندما همّ محفوظ بركوب سيارته أشارت عبده إلى سيارة محفوظ باحتقار قائلة: « بُص الأدب عمل فيك إيه »؟! وأعلنت أنها تدعم المسيرة العربية والإسلامية عن طريق هز الوسط ( أي هز البطن).
محفوظ لم ينس أن يهدي جائزة نوبل التي نالها إلى زبيدة الراقصة والعالمة في « ثلاثيته» التي نال عنها جائزة نوبل، وإن كان الإهداء يحمل طابع السخرية من تحوّل القيم، لأن الراقصة تجني أكثر مما يجني الأديب، لكن الإهداء يحمل في أعماقه تمسكاً بالحارة، بالمقاهي، بالعوالم، بكل شيء عزيز على قلب الروائي.
نكتة الراقصة فيفي مع أديب نوبل، صارت عبرة في الحياة الثقافية، على رغم أنها سخيفة، فالراقصة الفنانة والأديب كلاهما يبحث عن المجد في المعنى الجوهري، أما في زمن التسليع والابتذال، فتتساوى العبارات الأدبية السخيفة الآتية من الخيال السطحي، مع رقص « هزي يا نواعم » القائم على المفرقعات الجسدية سواء اللبنانية أو الأوروبية أو المصرية. وربما كان محفوظ يعي أن الراقصة تجني ربحاً في ليلة أكثر من إنتاج عشرات الكتب، لكنها حال الدنيا.
تستخف الراقصة بالأديب ومعظم الأدباء يستخفون بالراقصات. المهم القول إن الراقصة تملك ثراءً درامياً بحكم جسدها وإغوائها وعالمها وعلاقاتها. لكن في أجيال تالية بدأت هذه الشخصية تتقلّص أدبياً. فبعدما كانت موجودة في أعمال كتّاب الخمسينيات من القرن الماضي، أخذت تنحسر بعض الشيء في أدب الستينيات من القرن الماضي.
إن الكتّاب يحاولون ممارسة الرقص الأدبي، كأنهم والكاتبات تحديداً يمارسن هزّ الخصر بحثاً عن جمهور عريض. فالراقصة تهز الوسط في الملاهي، لكن الكاتب يهز وسط الكلمات بين دفتي كتاب.
ما بين الأدب وقلة الأدب خيط ركيك جدا. هل من فرق وازن بين ممارسات وتصريحات السياسي والنيابي والممثل والكاتب والروائي والإعلامي والتاجر عندما يتوسلون استعطاف الغرائز من أجل الترويج لسلعته وبالتالي الحصول على المبتغى ضمن مجاله ونشاطه .
لقد انحرف الحديث إلى مقاصد من الجائز إن يفرد لها مقالة خاصة بها تتحدث عن المفارقات بين الأديب ونجم السوشيال ميديا.
إنها مراحل شيوع التفاهة السياسية والاجتماعية والإعلامية وربما وصلت إلى مستويات التفاهة الفكرية.
 
 
 
 


تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير