نورالدين نديم يكتب: "التنمية المهنية للمعلمين، بين التحفيز والتعجيز"
إنّ مصطلح التنمية المهنية للمعلمين الذي يُعنى بصقل وتطوير المهارات وإكساب المعلم مهارات جديدة يُطلعه من خلالها على آخر النظريات في مهنة التعليم والتعامل مع الطالب كمشروع وطني للنهضة وبناء المستقبل، هو مصطلح قديم جديد، قديم بمفهومه جديد بآليات عمله واختلاف منطوقه.
إلا أنه من المؤسف حقاً أنّ يتم استغلال هذا المصطلح من قبل البعض أحياناً للاستعراض الجاذب للمنح والمُجمّل لمشهدٍ تعليمي تراجع فيه الأردن على أرض الواقع في التصنيف العالمي، حيث حصلنا على المرتبة الخامسة عربياً وال الخامسة والأربعين عالمياً من أصل 140 دولة تضمنها مؤشر دافوس لجودة التعليم لعام 2021.
التنمية المهنية للمعلمين لاتكون بالشعارات وتغيير المسميات وتعقيد شروط الترفيع والترقية الوظيفية، بل بالوقوف حقيقة على أساس البلاء ومصدر الضعف والتراجع، وذلك لا يأتى إلا بقراءة رقمية للواقع التعليمي في الأردن تستند لدراسات واحصاءات ومسح ميداني دقيق وشامل ومتكامل.
فقد أرهقتنا تصريحات من تناوب على وزارة التربية والتعليم من وزراء ومسؤولين، حول التنمية المهنية والتطوير والاقتصاد المعرفي وغيرها من المصطلحات التي كانت مجرد هبّات لا تنطوي على أي عمل تكاملي أو مؤسسي، ولعل البعض يذكر تصريحات معالي د. محمد الذنيبات في فترة توليه حقيبة التربية والتعليم عندما قال :
" 22% من طلاب الصفوف الثلاثة الأولى لايجيدون القراءة والكتابة" وأن " المدارس تعاني أوضاعاً سيئة جداً في الأثاث والصيانة" وذكر مشكلة "هجرة المعلمين مهنة التعليم إلى أعمال أخرى بسبب تدني رواتبهم".
وقد أفزعتنا في تلك الأيام تصريحات معاليه وتباينت ردود أفعالنا بين مصدق وغير مصدق ومؤيد ومهاجم، حتى غادر الوزير الوزارة وغادرت معه دراساته وملاحظاته وخططه العلاجية التي ذكر منها "أن وزارة التربية بحاجة إلى 450 مدرسة خلال الخمس سنوات المقبلة" وذلك قبل سبع سنوات من الآن، لم نرى خلالها سوى مزيداً من دمج المدارس وتضاعف لهجرة الطلاب من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية واضطراب في المناهج ونقص في الأبنية المدرسية والكادر التعليمي، وتوسع التعليم الإضافي على حساب التعيين، وزيادة في الاكتظاظ داخل الغرفة الصفية، والرجوع لنظام الفترتين، والحلول المؤقتة وغياب الخطط الاستراتيجية المتدرجة والثابتة.
ثم جاء من بعده من أنكر هذا الواقع المأساوي، وجمّل لنا المشهد حتى كدنا نظن أننا سبقنا فنلندا في مستوى التعليم، فأخذنا غفوة استيقظنا فيها على كورونا والتي أدركتنا على حين غرة فكشفت عدم جاهزيتنا بخطط طوارئ وبدائل قابلة للتطبيق، ولا جاهزية في الأدوات أو القدرات، مما نبهنا مرة أخرى لحاجتنا قبل تنمية وتطوير المكان إلى تنمية وصقل مهارة الإنسان، فعدنا لنحتمي بمصطلح التنمية المهنية للمعلمين، على شكل نظام الرتب بهيأته الجديدة ضمن شروط تعجيزية ورضوخ لعقلية ضبط النفقات والتوفير وعقلية نديّة، تريد التطوير ولاتريد البذل والانفاق والتقدير، تتعامل مع المعلم كآلة خالية من الاحتياجات ولا تلتفت لبنائه النفسي والمادي، فبدل أن تحفزه، أحبطته.
ولست هنا بصدد ذكر العيوب وجلد الذات والبكاء على الأطلال، وإنما لوضع الأصبع على الوجع ليتم التعاون والتكامل في علاجه حتى يشفى وينهض الأردن نهضة تعليمية كما يجب.
إن برامج تنمية المعلمين بمفهومها الذي يجب أن يُعمل عليه أوسع بكثير مما يتم من دورات تدريبية محدودة، فالبرامج يجب أن تُعنى بتنمية المعلم ليس على الصعيد المهني فقط وإنما بشمولية لجميع جوانبه الأكاديمية والنفسية والشخصية.
فالتدريب قبل الخدمة والتنمية خلال الخدمة يجب أن تصب في بناء المعلم النفسي والمادي، فحفظ أمنه وحمايته والارتقاء بمستواه المادي ومكانته المجتمعية لا تقلان أهمية عن الارتقاء بمعارفه ومهاراته واتجاهاته.
بل إن العمل على خلق بيئة عمل مناسبة ولائقة وبرامج تنمية تخلق لدى المعلم الدافعية وتحفزه على الاستمرارية في العمل بأقصى طاقته، هي أولى الأولويات في التنمية المهنية.
ولن نستطيع الوصول إلى بيئة تعليمية صحية وسليمة وآمنة إلا من خلال توسعة الانفاق وجذب الخبرات وبناء الإنسان قبل المكان.
وهذا ما يتعارض وما تم فرضه من نظام للرتب بشروط تعجيزية، يتنافى وأدنى مفاهيم التنمية المهنية الشمولية للمعلمين، وذلك لأن التنمية المهنية المستدامة تتطلب :
• التخطيط المبني على دراسة واستقصاء لاحتياجات المعلم والمتعلم والمؤسسة التعليمية والبيئة المجتمعية الحاضنة.
• مراعاة كل المؤثرات في بناء شخصية المعلم من الجانب النفسي إلى الجانب الأكاديمي والمعرفي والتثقيفي والمهاري.
• ضمان استدامة التنمية طيلة حياة المعلم المهنية.
• القدرة على خلق الدافعية والرغبة في التنمية وتجويد المهارة والتطور.
وهذا ما يفتقد له نظام الرتب الحالي بشروطه التعجيزية وعدم قدرته على إيجاد الحافز والدافعية لدى المعلم، ولم تحتوي بإطارها المتعلم والمؤسسة التعليمية.
نخلص إلى أن التنمية المهنية للمعلم ليست مجرد مصطلحات تستخدم للاستعراض أو التجميل وإنما هي برامج مبنية على دراسات واستقصاء وهي حركة مستدامة لا تهدف فقط لتنمية المعلم مهنياً وإنما تهدف أيضاً إلى تطوير المؤسسة التعليمية والحاضنة المجتمعية لها.
ولا يجب أن تتحوصل داخل إطار تعجيزي منفر لا يبلغ فينا حد التنمية والتطور ولا يبقينا على حد أدنى من الفاعلية والتشاركية في الأداء.