آفة عدم إتقان العمل وتأثيرها على المجتمع .. خبراء يشخصون الظاهرة ويقترحون الحلول
نبأ الأردن-ظاهرة "عدم اتقان العمل" كانت عنوان الحوار الذي جرى اخيرا في ملتقى النخبة – elite وهي ظاهرة اجتماعية موجودة في كل قطاعات العمل، وشارك بالنقاش مجموعة من أهل الاختصاص والمعرفة لتسليط الضوء على هذه الظاهرة، أسبابها والعمل على حلها أو الحد منها، ما تتسبب بتراجع الانتاجية في المؤسسات.
وحول ذلك، أوضح العميد المتقاعد زهدي جانبك أن عدم اتقان العمل اساسه فساد الضمائر وعدم الشعور برقابة الله تعالى، مؤكداً أن صحوة أجهزة الرقابة هي أساس العودة إلى اتقان العمل، فمن أمن العقاب اساء الأدب.
وأضاف أن إحدى الأسس الرئيسية لإتقان العمل هي المواصفات والمقاييس، ووضع معايير الاتقان القابلة للقياس يؤدي إلى مأسسة العمل ووضع معايير الكفاءة وترتيب إجراءات الثواب والعقاب بالاستناد الى هذه المعايير مما يزيد من الشعور بالعدالة والابتعاد عن التوسط والفساد والتركيز على الاحتراف والاتقان .
من جهته، بين المهندس أحمد العدوان ان أحد الاسباب هذه الظاهرة قد يكون تدني الرواتب الذي لا يدفع الشخص للاهتمام بعمله، وان البعض قد تم تعيينه بالواسطه، بالتالي فإن وضع الرجل غير المناسب في المكان الذي لا يتقنه سبب مهم لان يقضي على طموحه في تطوير نفسه ويبقى كل ما يهمه ارضاء مسؤوله، علما ان القطاع الخاص يختلف عن العام باستنزاف طاقة كل من يعمل لديه وبرواتب متدنيه.
وبالنسبة للحلول اقترح م. العدوان أن تكون من خلال وضع المكافات، البعد عن الواسطه والعلاقات الاجتماعيه، التقييم الدوري للموظف، وتطوير مهاراته، واشعاره بالاستقرار بعمله وتوظيفه في المجال الذي يتقنه ويتماشى مع شهاداته العلمية .
وأشار الاستاذ الدكتور وليد أبو حمور بأنه عندما يفقد الموظف شعوره بالانتماء للمؤسسة التي يعمل لديها فاللوم هنا يقع على صاحب العمل لانه فشل في تعزيز الانتماء من خلال كيفيه التعامل مع موظفيه، مبينا ان أسباب عدم اتقان العمل يعود لعاملين، الاول يتعلق بالمؤسسة نفسها، ويأتي من خلال تعيين غير مؤهلين وبالتالي عدم قدرتهم على تنفيذ استراتيجية المؤسسة، أما الثاني فيتعلق بالعامل، بحيث لا يتمتع بالخبرة والمهارات الكافية وبعدم انتماؤه للمؤسسة والشعور بالظلم .
وترى الفنانة أمل الدباس أن ظاهرة عدم اتقان العمل أصبحت كالعدوى لاسباب تتعلق بالشخص نفسه بحيث يشعر بانعدام العدالة، موضحة أن بعض الاشخاص يعانون من أزمة الضمير بسبب البعد عن الله والقيم، وأيضا عدم تكافؤ الفرص، عدم العدالة بالتوظيف، مبينة ان مشكلة الحمولة الزائدة في المؤسسات تسبب ترهل فيها.
ونوه المهندس ناظم العساسفة أن ظاهرة عدم اتقان العمل يعود لعوامل منها غياب الأنظمة والتشريعات العادلة، تفشي وتغلغل المحسوبيات، غياب برامج تطوير المهارات البشرية ، تدني مستوى مهارات وقدرات القيادة لدى الإدارات العليا، غياب البرامج التحفيزية الحقيقية ، وغياب الوازع الديني وتدني مستويات الانتماء بشكل عام.
من جهته، أكد محمود الملكاوي أنه لا يوجد تفرقة في العمل المتقن والجودة والجدية بحيث يفترض أن يسري هذا على كل شرائح المجتمع ولكن نفتقد الإتقان والالتزام والانضباط والجودة والإخلاص وهو الذي يحدث على أرض الواقع في حين يفترض أن يطبق القانون على الجميع .
وبينت الدكتورة طيب الفاروسي أن هذه الظاهرة جزء لا يتجزأ من حياتنا وتعاملاتنا ومعاملاتنا مع المؤسسات العامة والحكومية والخاصة.
ومن خلال تجربتها أشارت د. الفاروسي الى أن موضوع اتقان العامل لعمله والتفاني فيه موجود في كل البلاد رغم اختلاف البيئة والظروف، موضحة أن السبب الرئيسي لعدم اتقان العمل هو غياب الضمير والمراقبة الذاتية، عدم التمسك بشرف المهنة، غياب المراقبة الحكومية على المنشآت والمؤسسات التابعة لها وعدم فرض قوانين على المقصّر او المستهتر في عمله .
وأكد الدكتور محمد العتوم أن ظاهرة عدم اتقان العمل هي من اخطر الظواهر التي تواجه الامة، فعلماء التاريخ والاجتماع لاحظوا ان هذه الظاهرة مؤشر على بداية الانهيار نتيجة قناعة الانسان بعدم الجدوى من الانتماء الصادق والاخلاص في العمل، وغالباً ما يصاحب هذه الظاهرة شيوع الفساد.
وأضاف أن الملفت أن هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على القطاع العام لكن استفحلت ايضا لدى الخاص والمشاريع الفردية.
وأشار المهندس عبد الله عبيدات الى ان هذه الظاهرة تعد آفه اجتماعيه خطيره وخلل يؤثر على إنتاجية وفعاليه القطاعين العام والخاص، وينتج عنه فساد متعلق برداءة الخدمات، ومعنوي متعلق بفساد الضمائر.
وبين أن العامل الاساسي الذي يؤدي الى هذه الظاهرة هو ضعف الوازع الديني وفساد الأخلاق وسوء اختيار الموظفين الناتجه عن الواسطة، ومن اسبابها بالقطاع العام، المحسوبيه والشللية، وضع الموظفين غير المناسبين في مواقع قياديه وتقديمهم على الأكثر كفاءة، تدني رواتب موظفي القطاع العام، وبالنسبة للقطاع الخاص، عدم وجود رقابه حكوميه لضمان حق المواطن في تلقي الخدمه حسب الأصول، اللجوء إلى تغليب تحقيق الربح المادي على حساب حسن الأداء، انتشار ظاهرة توقيع المواطنين على عقود اذعان، وجود شراكات خفيه بين مسؤولين في القطاع العام مع مؤسسات خاصه لجني أرباح دون تقديم خدمات.
واعتبر ابراهيم ابو حويلة أننا بحاجة لـتأهيل موظف القطاع العام حتى يصل إلى مستوى التحديات المطلوبة.
واضاف ان الكثير من القرارات التي يأخذها موظف القطاع العام يدفع ثمنها الوطن والمواطن، ولا نريد أن نصل إلى تلك المرحلة التي يصبح فيها موظف القطاع العام مقيد الحركة خوفا من الوقوع في الخطأ، ولا نريد ترك المجال بحيث يتم تهديد المصالح الوطنية لصالح شخصنة او جغرافية، مبينا باننا خرجنا من نطاق الوظيفة العامة إلى التنفيع العام، وهذا كان له أثر سلبي على مفاصل الدولة، فهذه الفئة لا تعرف الحدود بين المصالح الشخصية وتلك العامة ولا تعرف حجم وطبيعة الأثر المدمر لتلك القرارات التي تتخذ من قبلها.
من جهته، أوضح الدكتور موفق الزعبي أن عدم اتقان العمل يتعلق بالموظف نفسه من خلال غياب الوازع الداخلي لاتقان العمل وعدم وجود شغف في عمله ويأتي كذلك عدم كفاية الكفاءة والتأهيل وشعوره الدائم بالظلم والشعور بعدم الاستقرار الوظيفي أو يتعلق بالمؤسسة من خلال سوء تقييم العامل عند تعيينه، وعدم توفير دورات تأهيلية لتطوير مهارات العاملين.
واقترح الزعبي حلولا منها حسن اختيار العاملين، التأهيل المستدام للعاملين، توفير حوافز تشجيعية للعمال المتميزين.
وأشار حاتم مسامرة الى أن دولا مثل كندا أو الولايات المتحدة الأمريكية تجد فيها مكان العمل خلية نحل مستدامة مع أن الجميع من خلفيات دينية وعرقية وجنسيات مختلفة لذلك الوازع الديني ليس مؤثر لكن لان من يعمل مقابل أجر عادل، يعلم أنه سيتم إنهاء خدماته أن لم يقم بالعمل بالطريقة الصحيحة بالتالي سيؤديه بكل إتقان.
وبين حسام مضاعين أن هذه الظاهرة مرتبطة بثقافة المجتمع فإذا كان لا يؤمن بثقافة الانتاج التي تبدأ في البيت، ومن خلال الاعمال التطوعية التي يمكن القيام بها، اضافة الى ثقافة حب الوظيفة التقليدية التي يشجع عليها الاهل والمؤسسات التعليمية، بالتالي لا يمكن ان نصل الى الاحترافية بالعمل بمزيد من الانظمة والقوانين الرقابية لانها لن تجدي نفعا دون بناء ثقافة الانتاج واحترام الوقت ثم العمل على تطوير مهارات الاتقان لاي عمل.
من جهته، طرح الدكتور أحمد الرشود بني مصطفى عدة عوامل لخلق بيئة عمل خاليه من الأخطاء، منها، وجود الكفاءة لاتقان العمل، الالتزام القيمي والأخلاقي، المهام الوظيفية المتحدة، الهيكلية المؤسسية والحاكميه الرشيده، الانتماء الأخلاقي والمؤسسي والوطني، الوازع الديني والقدوة الحسنة.
وشدد المهندس محمد البس على ضرورة متابعة اصحاب العمل في القطاع الخاص للعاملين لديهم، بالتالي تعظيم الانتاج واعطاء الحقوق للموظفين ويوجد شركات كبيره يقوم المالك بالمتابعة لكثير من العمليات مما زاد من نجاحها، على عكس الفردية الذي اهمل موضوع المراقبة بالتالي تراجعت.
وأضاف أن الكلمة الفارقة للنجاح أو الفشل هي تابعة لصاحب المال.
وبين الدكتور عيد ابو دلبوح على أن اتقان العمل يعتمد على شقين، الاول الانسان والثاني الوظيفة، فالانسان الكفؤ هو الذي لديه التعليم والتدريب والخبره، والوظيفه تحتاج الى مواصفات حتى توضع بشكل محترف، لذلك لا يوجد مقياس للدين او الاخلاص، الضمير، الراتب او الفساد، وانما هناك متطلبات محدده للعمل المطلوب انجازه ومن احد متطلبات انجاز العمل هو الانسان نفسه.
وأضاف ان اتقان العمل هو مسؤوليه الاداره العليا .
وقالت روضة أبو طه إنه مع العولمة يجب أن تكون هناك ريادة الأعمال والابتكار والإبداع والقيادة والشفافية الشديدة والثقة والولاء للأمة بحيث يجب أن يكون الفرق بين المدير والعامل الكادح واضحا، بالإضافة الى معرفة ما هي مكونات القيادة والرئاسة وما هو الاختلاف بينهم، فإذا كان القائد لا يعرف ما الذي يحدث دعه يبقى في المنزل.