“إجاك الدور يا دكتور”.. صرخة طفل تغيّر معها مصير سوريا

{title}
نبأ الأردن -

لم يكن معاوية صياصنة يدرك، حين حمل علبة البخاخ السوداء في فبراير/شباط 2011 واقترب من جدار مدرسة الأربعين في درعا البلد ليكتب شعارات مثل "إجاك الدور يا دكتور” و”ارحل”، أن تلك اللحظة ستغيّر وجه سوريا وحياته إلى الأبد. يقول للجزيرة نت "كنت مفكرها لعبة طفولية تُلعب بالليل، ومشاغبة بسيطة يضحك عليها رفقاتي الصبح”، لكنه لم يتخيل أن الكلمات التي خطّها ستقوده بعد أيام إلى زنازين فرع الأمن السياسي في درعا.


لم يكن يعلم أيضًا أنه سيفقد أحد أفراد عائلته نتيجة قصف قوات نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، قبل أن يتحول من طفل كتب على الجدار إلى مقاتل، ثم مهجّر، ثم عائد إلى المدينة ذاتها التي كتب فيها أول كلمة.


ذكريات الثورة


بعد أيام قليلة، داهم عناصر الأمن السياسي منزل عائلة صياصنة بإشراف العميد عاطف نجيب، رئيس الفرع، واعتُقل معاوية (15 عامًا) من غرفته. كان أصغر من أن يدرك ما يحدث، وكلّ ما فهمه أن الكلمات قد تفتح أبواب السجون. دخل إلى غرف التحقيق حيث تعرّض للضرب والصراخ داخل زنزانة رطبة. ويقول "ما كنت فاهم شو هي الدولة ولا شو يعني معارضة، بس فهمت إنه ممكن يعتقلوا طفل لأنه كتب على الحيط”.


وأثناء وجوده في السجن، انطلقت الثورة في درعا بعد رفض ضباط النظام الإفراج عن الأطفال. خرج الأهالي من مسجد الحمزة والعباس في 18 مارس/آذار 2011 وتجمعوا في المسجد العمري، ليسقط أول شهيدين برصاص الأمن، بينما ظل الأطفال داخل الأفرع الأمنية.


خرج معاوية بعد 45 يومًا ليجد مدينته قد تغيّرت. لم يحتفل بخروجه، بل انضم إلى أول مظاهرة صادفها وهتف ضد النظام. ومع توسع الاحتجاجات، رد النظام بالقصف والحصار، وكان والده من ضحايا قصف مدفعي استهدف درعا البلد أثناء توجهه إلى صلاة العصر. يقول معاوية "حسّيت الثورة يتّمتني.. بس حسّيت كمان إنه لازم أكمل الطريق”.


ومع مرور الوقت، انخرط في صفوف الجيش السوري الحر "دفاعًا عن الحي اللي عاش فيه”. عاش المعارك وفقد الأصدقاء، وتحول من طفل يكتب على الجدران إلى شاب يحمل السلاح. ويوضح "كنت أسمع من أقاربي اللي خدموا بالجيش قبل 2011 عن السلاح وكيفية استخدامه، بس ما تخيلت يوم إني اضطر أحمله لأدافع عن نفسي ورفاقي”.


في أغسطس/آب 2018، خضعت درعا لاتفاق تسوية أعاد النظام إلى المدينة، فخرج جزء من المقاتلين إلى الشمال، بينما قرر معاوية البقاء رغم احتمال اعتقاله. ويقول "فكرت أطلع، بس فضلت أظل مع الشباب اللي بقوا”.


عاش سنوات التسوية بحذر شديد، مقتصرًا على التنقل داخل الحي وبعض المناطق التي لم يكن يدخلها عناصر النظام. وفي صيف 2021، فُرض حصار على درعا البلد استمر أكثر من شهرين، وقُصفت المنطقة بكافة الأسلحة باستثناء الطيران. واضطر معاوية للخروج ضمن قافلات التهجير إلى الشمال السوري بعد اتفاق يقضي بنشر نقاط عسكرية وتهجير الرافضين.


اختار معاوية الهجرة، ثم دخل تركيا لاحقًا وحاول العبور إلى أوروبا بحثًا عن مستقبل جديد، لكنه لم ينجح، فعاد سرًا إلى مدينته التي هُجّر منها. ويقول "كنت مفكر الحياة برا أحسن، بس اكتشفت إنه مكاني هون”.


حياة جديدة


تابع معاوية معركة ردع العدوان التي بدأت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في الشمال السوري، دون تفاؤل بإسقاط النظام. لكن مع انهيار قوات النظام وسيطرة الفصائل على مدن وبلدات بسرعة، خرج مع شباب منطقته استعدادًا لتحرير درعا، التي سيطروا عليها في 6 ديسمبر/كانون الأول 2024. وبعد يومين، توجهوا إلى دمشق عقب الإعلان عن هروب بشار الأسد وسقوط النظام بشكل كامل.


اليوم، وبعد عام على سقوط النظام المخلوع، يعيش معاوية حياة مختلفة؛ يعمل في التجارة ويتنقل بحرية بين المحافظات السورية. ويقول "أول مرة بحس إنه ما في خوف.. ما حدا رح يوقفني ويسألني عن اسمي”. ويرى أن درعا البلد أصبحت "رمزًا لسوريا الجديدة”، وأن جيله دفع ثمنًا باهظًا للوصول إلى هذه اللحظة.


أصبح معاوية أبًا لفيصل (6 أعوام)، وقد سمّاه على اسم والده الشهيد، ولديه طفلة عمرها 6 أشهر. ويضيف "بشوف حالي بفيصل.. بس هو مش رح يعيش الخوف اللي عشته”. يؤمن أن ابنه سيكبر في سوريا مختلفة، وأن الكلمات التي خُطت على جدار مدرسة قادرة على تغيير مستقبل بلد بأكمله.


يقف اليوم أمام الجدار القديم في درعا البلد، يلمس الإسمنت الذي تغيّر لكنه لا يزال يحمل ذاكرته الأولى، ويقول بهدوء "لو يرجع الزمن، كنت رح أكتب من جديد”. يمشي مبتعدًا، لكن الجدار يبقى في ذاكرته، كما يبقى الطفل الذي بدأ الثورة واقفًا في بداية كل شيء ونهاية زمن الخوف


تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير