بلال حسن التل يكتب: عن سليم الذي رحل

{title}
نبأ الأردن -

كنسمة ربيعية رقيقة منعشة، هبت في يوم صيفي قائظ، مر سليم في هذه الحياة الدنيا، وكحياته الهادئة الودعة كان رحيله إلى الحياة الأخرى، وبلا مقدمات، ففي مساء يوم الأحد كنت أستمع إليه، وهو يطمئن عن شقيقته التي ألم بها عارض صحي، حيث صار يدعوا لها في سجوده، ولم يكن يدري أننا سنواريه الثرى قبل أن ينتهي الأسبوع ، فقد كان في كامل صحته وعافيته، يمارس المشي، ورياضة كرة الطاولة،ولم يكن قد تقدم به السن، وذلك هو ثقل الرحيل المفاجئ وحرارة حزنه، وذلك هو عجز الإنسان أمام سر الموت وعدم ارتباطه بالمقدمات.





سليم المغربي الذي رحل عنا كان نموذجا للمسلم الحقيقي، الذي لايربط تدينه بمفهوم سياسي، ولا يمن على أحد بأنه متدين، ولم ينصب نفسه قيما على ألناس ، يصنفهم فيدخل هذا الجنة، ويزج ذلك بالنار، فالحساب والثواب والعقاب والجنة والنار أمور اختص الله بها نفسه، وليس لأحد أن يجتهد بها، وليس لأحد أن يصنف الناس أيهم يستحق الرحمة وأيهم محروم منها، فلينشغل كل بإصلاح نفسه ليصلح المجتمع، وهو بالضبط مافعله سليم، لذلك كان حريصا على أداء صلواته جماعة في المسجد دون عراضة أو استعراض، وعندما غاب عن المسجد أدرك رواده أن خللا وقع لسليم فكثر السؤال عنه، وهذه واحدة من مقاصد صلاة الجماعة في المسجد، فإنها تمتن أواصر الترحم والتماسك الإجتماعي، وقد كان سليم واصلا للرحم، بارا بجيرانه، حانيا على المساكين، ساعيا في حاجاتهم بصمت وهدوء وكتمان، مثلما كان دافء اللسان، عاشرته قرابة ثلث قرن، فلم أسمع له صوتا مرتفعا، ولم أسمعه يتلفظ بكلمة نابية أو خادشة، ولم أسمعه يخوض في مجلس نميمة أو غيبة، وهذا هو التدين الحقيقي، وهذه هي الأخلاق التي يحبها الله، والتي دعا إليها أنبياء الله ورسله، وتلك هي الأخلاق التي كانت تربينا عليها أمهاتنا ، قبل أن تدخل علينا نظريات تربوية أفسدت أجيال، وقبل أن تستغل الدين أحزاب أفسدت تدين شبابنا، وربتهم على نظرة ضدية لمجتمعاتهم.





عاش سليم ومات بهدوء لكنه، ترك لوعة في قلب ونفس كل من عرفه، لأنه كان متدينا حقيقيا، فكان إنسان، رحمه الله الذي خلق الحياة والموت ليبلونا من منا احسن عملا.


تابعوا نبأ الأردن على