من تهريب المخدرات إلى حرب المسيرات.. "الكارتلات" تصعد الصراع بالمكسيك
نبأ الأردن -
تتصاعد في المكسيك حرب غير معلنة تتحول فيها الكارتلات من عصابات مخدرات إلى قوات شبه عسكرية مجهزة بأسلحة متطورة، في مشهد يثير قلق السلطات داخل البلاد وخارجها، خاصة على مقربة من الحدود مع الولايات المتحدة.
وكشف تحقيق موسع لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية قصة بلدة صغيرة في ولاية ميتشواكان، حيث دوّت مع ساعات الفجر الأولى انفجارات هزّت البلدة الواقعة غرب المكسيك. ارتجّت النوافذ وتشققت الجدران، فيما دوّت أصوات الطائرات المسيّرة تزامناً مع إطلاق نار كثيف. بعض السكان وصفوا اللحظة بأنها أشبه بقدوم "الشيطان"، في إشارة إلى الهجوم المفاجئ الذي شنّته مجموعات مسلحة.
المشهد لم يكن من أوكرانيا أو الشرق الأوسط، بل من قلب المكسيك وعلى بعد مئات الأميال فقط من الحدود مع الولايات المتحدة. وأظهر التحقيق أن منفذي الهجوم لم يكونوا جنوداً نظاميين، بل عناصر من الكارتلات المتناحرة، التي تخوض معارك شرسة من أجل السيطرة على الأراضي وطرق تهريب المخدرات.
وتشير تقارير أمنية نقلتها الصحيفة إلى أن الكارتلات باتت تملك أسلحة عسكرية عالية الطراز، من بينها ألغام أرضية، وقاذفات صواريخ، ومركبات مدرعة محلية الصنع مزودة برشاشات ثقيلة. كما عمدت هذه الجماعات إلى تعديل طائرات مسيّرة تجارية وتحويلها إلى أدوات هجومية تحمل متفجرات ومواد سامة. المواجهة لم تعد تقتصر على صراع بين الكارتلات نفسها، بل تشمل أيضاً القوات الحكومية المكسيكية التي تجد نفسها في كثير من الأحيان في موقع ضعيف. مسؤولون أقروا بأن الشرطة المحلية لا تمتلك الإمكانات الكافية لمواجهة أسلحة الكارتلات، التي تشمل بنادق "باريت" عيار 50 القادرة على اختراق الدروع والمركبات.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أصدر أوامر للبنتاغون باستخدام القوة ضد بعض الكارتلات التي صنّفتها واشنطن كمنظمات إرهابية. وأثار القرار حفيظة الحكومة المكسيكية التي رفضت بشدة فكرة وجود قوات أميركية على أراضيها، معتبرة أن الحل يجب أن يكون محلياً.
واعتبر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن "التعامل مع هذه الجماعات كعصابات محلية لم يعد ممكناً، فهي تمتلك أسلحة تضاهي ما تمتلكه بعض الجيوش". في المقابل، حمّلت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من المسؤولية، مؤكدة أن 70% من الأسلحة المضبوطة في المكسيك مصدرها السوق الأميركي.
وتحوّلت ولاية ميتشواكان، وتحديداً منطقة "تيرا كالينتي" إلى ساحة حرب. هناك، تتصارع كارتلات كبرى مثل "فرسان الهيكل" و"لا فاميليا" وكارتل "خاليسكو الجيل الجديد” الأكثر قوة. المعارك دفعت آلاف المدنيين إلى النزوح، فيما تُركت قرى كاملة مهجورة.
وأفادت منظمات حقوقية محلية بأن أكثر من 2000 شخص نزحوا خلال العامين الماضيين بسبب العنف، فيما قُتل ما لا يقل عن عشرة مدنيين في الأشهر الأخيرة جراء انفجارات ألغام أثناء ذهابهم إلى المدارس أو العمل في الحقول.
أحد السكان العائدين إلى بلدته وصف ما شاهده قائلاً: "عدت لأجد منزلي وقد تحوّل إلى أنقاض بفعل قنابل ألقتها مسيّرات. كل ما أشعر به الآن هو الخوف والحزن".
وأشار خبراء أمنيون إلى أن الكارتلات بدأت منذ منتصف العقد الأول من الألفية في تبني أساليب عسكرية بفضل انضمام عناصر سابقة من الجيش إلى صفوفها، خصوصاً مجموعة "لوس زيتاس” التي أدخلت انضباطاً وتكتيكات قتالية متقدمة. ومع مرور الوقت، تطورت ترسانتها لتشمل المتفجرات والاتصالات المشفّرة والمسيّرات.
وفي عام 2015، شهدت البلاد تحولاً خطيراً حين أسقطت مجموعة مسلحة مروحية للجيش في ولاية خاليسكو بصاروخ محمول على الكتف، ما أسفر عن مقتل ستة جنود. وفي السنوات الأخيرة، أصبح استخدام العبوات الناسفة والمسيّرات "أمراً روتينياً"،بحسب تقارير الاستخبارات المكسيكية. ولمواجهة التهديد، أنشأت السلطات وحدات متخصصة لمكافحة المتفجرات. الكابتن ماريو غوميز، الضابط السابق في الجيش، يقود وحدة صغيرة مكوّنة من 18 عنصراً في ميتشواكان. وخلال العام الماضي، تمكنت وحدته من تفكيك أكثر من 2000 عبوة ناسفة، بعضها بدائي مصنوع من زجاجات بلاستيكية وأنابيب صرف صحي، وأخرى متطورة معدّة لحملها عبر المسيّرات. وصف غوميز هذه التحديات بقوله: "هذه الأجهزة قادرة على إحداث دمار يوازي القنابل المصنعة في المصانع. والمجرمون لا يتوقفون عن التجريب والابتكار لإحداث أكبر قدر ممكن من الأذى".
وكشف مسؤولون أمنيون أن الكارتلات استعانت بخبراء أجانب، بينهم جنود سابقون من كولومبيا وفنزويلا، لتدريب عناصرها على تصنيع المتفجرات وخوض معارك العصابات. وخلال سبعة أشهر فقط، أُلقي القبض على 53 أجنبياً في ولاية ميتشواكان بتهم مرتبطة بالجريمة المنظمة. كما أشارت تقارير محلية إلى استخدام المسيّرات في هجمات كيميائية، حيث أُلقيت مواد سامة على بلدات في جنوب شرق ميتشواكان، ما تسبب بأعراض حكة وضيق تنفس بين السكان.
وفي سياق متصل، رفعت الحكومة المكسيكية دعاوى قضائية ضد شركات تصنيع السلاح الأميركية، متهمة إياها بتسهيل تدفق ما وصفته بـ النهر الحديدي" من الأسلحة إلى أراضيها. إلا أن المحكمة العليا الأميركية رفضت إحدى هذه الدعاوى، مستندة إلى قوانين تحمي الشركات من المسؤولية في حالات معينة.
من جانبها، أكدت وكالة الكحول والتبغ والأسلحة النارية الأميركية أنها تعمل بشكل وثيق مع شركائها المحليين والدوليين لمكافحة تهريب الأسلحة.
وبينما تتواصل المواجهات في بلدات وقرى ميتشواكان، يبقى المدنيون هم الضحايا الأبرز، إذ يعيشون بين خيار النزوح القسري أو المخاطرة بالبقاء وسط تبادل النيران والانفجارات. ومع استمرار تدفق الأسلحة وتوسع نفوذ الكارتلات، يزداد القلق من تحوّل المكسيك إلى ساحة حرب مفتوحة يصعب السيطرة عليها دون تعاون إقليمي ودولي أوسع.























