وائل منسي يكتب: غزة بين الركام… وإسرائيل بين مرآة الحرب ومرآة الذات
نبأ الأردن -
منذ أشهر، تتوالى على غزة مشاهد الخراب والدمار، حتى غدت المدينة التي كانت تضج بالحياة أشبه بخرائط رمادية من الركام والدماء.
في المقابل، تنظر إسرائيل إلى حربها من زاويتين متناقضتين: مرآة ترى فيها ضرورة "إكمال المهمة” وتثبيت السيطرة، ومرآة أخرى تعكس لها وجهاً مثقلاً بالأزمات الداخلية والانقسامات، حيث يختلط فيها حساب الميدان بحساب السياسة، والمكاسب العسكرية بمخاطر البقاء السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
عقدة القرار
اليوم، يقف صانع القرار في تل أبيب أمام مفترق حاسم. في الكابينت، يتجادل الساسة حول جدوى احتلال شامل لقطاع غزة، فيما يرفع قادة الجيش تقارير ميدانية تحمل بين سطورها تحذيرات من مستنقع استنزاف طويل. وفي الوقت ذاته، تضغط المحكمة العليا بمهل زمنية لفرض مراجعة شروط استمرار الحرب، في إشارة إلى أن الانقسام لم يعد محصورًا بين الحكومة والمعارضة، بل امتد إلى قلب المؤسسات الإسرائيلية.
غزة… بين السلطة والفراغ
على الضفة الأخرى من المعادلة، تعيش غزة تحت وقع سيناريوهات متناقضة.
في أحدها، تنجح إسرائيل في بسط سيطرة عسكرية وتنصيب إدارة مدنية تابعة، وهو مسار لا يخلو من تهجير واسع وفقدان شبه كامل لمؤسسات حماس، لكنه يفتح الباب لولادة تمرد جديد في الظل.
وفي سيناريو آخر، تفشل إسرائيل في فرض واقع جديد، فتبقى حماس أو خليط من الفصائل والقيادات المحلية لتملأ الفراغ، ما يعيد صياغة الصراع بصيغة جديدة، لا تقل خطورة عمّا قبل الحرب.
نتنياهو على حافة الاحتمالات
مصير نتنياهو يبدو محكوماً بمفاتيح غزة ومفاتيح القضاء معًا. فنجاح عسكري نسبي قد يمنحه شرعية موقتة ويؤجل مصيره، لكنه لن يرفع عن كاهله ملفات الفساد والتحقيقات، ولن يوقف الضغوط الدولية المتزايدة. أما فشل الاحتلال، فسيكون بمثابة قنبلة سياسية في قلب المشهد الإسرائيلي، ربما تعجل بسقوطه، فاتحة الباب أمام قيادة جديدة تسعى لترميم الداخل قبل التفكير في إعادة رسم خرائط الخارج.
ما وراء الميدان
ليست المعركة اليوم مجرد اشتباك مسلح على شريط ضيق من الأرض، بل هي اختبار لإرادة الطرفين وقدرتهما على التكيف مع المتغيرات.
الضغوط الدولية تتنامى مع تفاقم الكارثة الإنسانية، وصور الأطفال والنساء تحت الأنقاض تحاصر الخطاب الإسرائيلي في المحافل العالمية.
أما في غزة، فالإصرار على البقاء يتجاوز الإمكانات المادية، ليغدو فعلًا من أفعال الهوية والذاكرة.
مستقبل بلا يقين
الطريق من هنا مليء بالمنعطفات: احتلال طويل بفاتورة مفتوحة، أو هدنة مؤقتة تؤجل الانفجار القادم، أو تحول سياسي كبير يغيّر وجه إسرائيل والمنطقة. لكن المؤكد أن كل يوم يمر يزيد من تعقيد المعادلة، ويجعل الخروج من دوامة الدم والدمار أصعب بكثير من قرار الدخول فيها.

























