حلا محمد الخطيب تكتب: في مهب العواصف السياسية: غزة كاختبار حاسم للقانون الدولي وأحلام العدالة المعلقة

{title}
نبأ الأردن -
منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023 وحتى اليوم، والعالم يشهد واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية فداحة في العصر الحديث. أعداد هائلة من الضحايا، ودمار واسع للبنية التحتية، ونزوح جماعي، جعلت من هذا الصراع مرآة عاكسة لحجم التحديات التي تواجه المنظومة القانونية الدولية في زمن الأزمات.
على مدار العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، شُيّدت منظومة قانونية دولية متكاملة – من ميثاق الأمم المتحدة، إلى اتفاقيات جنيف، وصولاً إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. هذه النصوص صمّمت لضبط سلوك النزاعات المسلحة وحماية المدنيين من ويلات الحرب، ومنع جرائم مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
لكن في غزة، اصطدمت هذه النصوص بجدار صلب من المصالح السياسية، والقوة الجيوسياسية، والتباين الصارخ في ميزان القوى بين أطراف النزاع. وهنا بدأ القانون يفقد قدرته على التأثير، وتراجع من كونه مرجعًا إلزاميًا إلى كونه مجرد أداة خطابية في بيانات الشجب والاستنكار.
رغم إطلاق تحذيرات دولية متكررة، ومطالبات بإجراء تحقيقات مستقلة، وإصدار بعض القرارات ذات الطابع الملزم، بقيت أدوات التنفيذ الفعلي ضعيفة أو معطّلة. فقد قُيد مجلس الأمن باستخدام الفيتو السياسي، وتعثرت آليات المساءلة أمام غياب الإرادة الدولية، ما أدى إلى تآكل فعالية النظام القانوني.
هذه المعطيات كرّست أزمة ثقة في قدرة القانون الدولي على تحقيق العدالة، خصوصاً حين يتحول إلى رهينة في أروقة السياسة الدولية، بدلاً من أن يكون مظلة فوق الجميع.
ومن أبرز ما كشفته الحرب في غزة هو التحدي الكبير في تطبيق مبادئ "التناسب" و"التمييز" في العمليات العسكرية، وخاصة في النزاعات غير المتكافئة. حيث يصعب في الواقع الميداني التفريق بين الأهداف العسكرية والمدنية، في ظل التشابك الجغرافي والديموغرافي داخل القطاع.
ومع استغلال هذا الغموض القانوني من قبل بعض الأطراف، أصبح من الممكن تبرير ضربات عشوائية أو غير دقيقة تحت غطاء "الضرورة العسكرية"، في خرق واضح للمعايير الدولية.
تعيش العدالة الدولية اليوم في مفترق طرق خطير، حيث لم يعد الفشل في إنفاذ القانون يُعزى إلى ضعف النصوص بقدر ما يعود إلى بنية النظام السياسي الدولي ذاته. التناقض بين المبادئ المُعلنة والممارسات الواقعية يُفرغ القانون من محتواه، ويحوّله إلى "صدى خافت" لا يُسمع وسط العواصف السياسية والتوازنات الجيوستراتيجية.
غزة، اليوم، ليست مجرد ساحة صراع، بل هي اختبار أخلاقي وقانوني لنظام عالمي يدّعي حماية الحقوق والأبرياء، إنها تكشف الفجوة الواسعة بين الحلم القانوني والواقع السياسي، وتطرح سؤالاً لا يمكن تجاهله: هل يمكن لقانون بلا أدوات تنفيذ ولا توافق سياسي أن يحقق العدالة؟
أمام هذه المفارقة، تبقى الحاجة ملحة إلى مراجعة جادة لمنظومة العدالة الدولية، تبدأ بإصلاح أدواتها التنفيذية، مروراً بتحقيق التوازن بين القانون والسياسة، وصولاً إلى إعادة الاعتبار للضحايا كأولوية لا يمكن التفاوض عليها.
العدالة لا يمكن أن تبقى حلماً مؤجلاً، ولا أن تُختزل في شعارات يتم التلويح بها في المحافل الدولية. ما جرى في غزة – ولا يزال – يجب أن يكون دافعاً لتحرك عالمي يعيد الاعتبار للقانون الدولي، ويمنحه القوة الكافية للوقوف بوجه المآسي، لا التفرّج عليها.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير