وائل منسي يكتب : عن "وحدة اليسار" بين الحُلم والضرورة
نبأ الأردن -
يتردد كثيرًا هذا الرأي
"وحدة اليسار فكرة حالمة، ومن أمضوا سنوات في هذا التيار كانوا بارعين فقط في قيادة الانشقاقات. فلا يُعوّل عليهم في مشروع الوحدة، لأن كل طرف يحمل في جعبته حسابات شخصية مغلّفة بخطابات تسويقية. من أراد أن يبني مشروعًا حقيقيًا، فليشتغل على توسيع قاعدته، وإنتاج أدبيات جديدة تخاطب الناس، بعيدًا عن الأدوات البالية."
صحيح أن اليسار العربي شهد تجارب انقسام مؤلمة، لكن من الظلم اختزال هذه التجربة الغنية في "سجل للانشقاقات". كل التيارات الكبرى، سواء القومية أو الإسلامية أو الليبرالية، مرّت بنفس المآزق. وهذا ليس عيبًا بنيويًا في اليسار فقط، بل سمة طبيعية في تطور التنظيمات، كما تبيّن في نظرية "قانون الأوليغارشية الحديدي" لروبرت ميشلز، التي تشير إلى أن أي تنظيم سياسي معرض للتوتر بين المبادئ والبنية التنظيمية.
أما عن وحدة اليسار، فهي ليست طوباوية كما يظن البعض، بل ضرورة سياسية يفرضها الواقع. اليسار إذا بقي مشرذمًا، متنازعًا، عاجزًا عن تقديم بديل مقنع، فسيبقى على الهامش. لكن إن تحرك باتجاه تحالفات عريضة تستند إلى قاعدة اجتماعية واضحة، وبرنامج حد أدنى، وتنوع تنظيمي من دون صراعات صبيانية، فحينها يمكن الحديث عن جبهة تقدمية قادرة على استعادة دورها التاريخي.
وهنا لا نتحدث عن وحدة تنظيميّة فوقية، بل عن "كتلة تاريخية جديدة" كما طرح أنطونيو غرامشي، أي تحالف اجتماعي-ثقافي قادر على إنتاج مشروع بديل فعلي، يمثّل الفئات المتضررة من منظومة الاستبداد والنيوليبرالية والفساد والاحتلال.
نعم، هناك مَن ما زال يُدير صراعاته من الماضي. نعم، هناك "جردة حسابات" وأمراض تنظيمية. لكن الفرق بين التيارات الحيّة والتيارات المنتهية، هو القدرة على التحوّل من سيكولوجيا الندب إلى استراتيجية الفعل. وهذا ما بدأ يحدث في أكثر من مكان، عبر مبادرات نقدية شبابية، تتجاوز "الخطابات التعبوية" إلى خطاب اجتماعي جذري ومقنع.
وأما من يظن أن تجديد اليسار يعني التخلص من جذوره الفكرية، فنقول: التجديد لا يعني القطع، بل التحديث. الانحياز للفئات المهمشة، للشباب، للعمال، للنساء، للحقوق، للكرامة، ليس خطابًا عتيقًا، بل موقفًا سياسيًا جذريًا ضد هيمنة النخبة، وضد مشاريع التطبيع والخصخصة والتبعية.
فوحدة اليسار ليست هروبًا من الحساب، بل استجابة عقلانية لسؤال المرحلة:
كيف نعيد بناء بديل ديمقراطي اجتماعي، يجمع بين العدالة والحرية والسيادة؟
كيف نكون صوت من لا صوت لهم، في زمن تراجعت فيه السياسة إلى هامش السوق؟
كيف ننتصر للناس، لا للأجهزة، وللقيم لا للمصالح؟
من هنا نبدأ.

























