د.وليد العريض يكتب: الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء (1)

نبأ الأردن -
في أقصى البرّ حيث كانت الشمس ذات يومٍ تُشرق على المجد، كانت هناك غابة عظيمة تضم اثنتين وعشرين غابةً شقيقة, لكل غابةٍ رايتها ونشيدها وزعيمها وحراسه وقنواتها الإخبارية الخاصة. كانوا يسمّون أنفسهم "غابة واحدة" لكنهم كانوا أشدّ تفرّقًا من أعشاب الخريف.
وسط هذه الغابات كانت هناك غابة صغيرة تُدعى "المنسيّة". كانت أجملهنّ وأشجعهنّ، لكنّها كانت الأكثر عرضةً للنهش. أشجارها تُحرق، فراشاتها تُسحق، وبيوتها تُهدم فوق رؤوس طيورها، كل يوم. أما باقي الغابات؟ فإما تنظر بصمت أو تدّعي العجز أو تبيع الحطب لمن أشعل النار.
كل عام تُهاجم المنسية. وكل عام تعقد الغابات مؤتمرًا عاجلًا: التمساح الفخم يلقي خطابًا "حازمًا"، الزرافة تتثاءب، الثعلب يلتفت إلى أذنه المصابة، والنعامة تُدلي بتصريح صحفي وهي مدفونة في الرمل.
في نهاية المؤتمر تُرسل الغابات للمنسية بعض كلمات التضامن وربما شحنة من العلف الفائض وتعود لحياتها اليومية حيث يقيم الزعماء حفلات شواء في قصورهم، فوق عظام السناجب التي كانت ذات يوم تغني للحرية.
أما سكان المنسية؟ فيحفرون الخنادق بأظافرهم، يخيطون جراحهم بأجنحة الحمام ويُكملون الصمود بالحجارة لأن القوس مكسور والسهم نائم في أحد المتاحف.
كانت الطيور في المنسية تصلي. ترفع أعينها إلى سماء لم تُمطر منذ عقود. السماء التي أرسلت من قبل طيرًا ضرب الغزاة بحجارة من عدل... لكنها الآن صامتة.
وسأل فرخ الدوري أمّه:
لماذا لا يجيبنا الله؟
قالت له: لأننا نُصلّي من قعر الجُرح، بينما الغابات الأخرى تُصلّي على موائد وليّ العلف.
في إحدى الغابات كان الزعيم يقيم سهرة ليلية على ظهر يخته العائم، يضحك مع الثعالب، ويشرب نخب الاستقرار. وفي غابة أخرى كان الأسد المسنّ نائمًا لا يصحو إلا إذا مسّت أذنه مكرمةٌ أو عقد جديد من الترويض. أما البوم في غابات الجنوب فكانوا يكتبون مقالات طويلة عن المصلحة العليا ويختمونها بجملة: المنسية ليست من شأننا الداخلي.
وكان بعض الغربان – وهم شيوخ الغابة الجدد – يقفون على المنابر الخشبية يدعون للمنسية ويجهشون بالبكاء، ثم يركبون عرباتهم المكيفة إلى حيث تنتظرهم مائدةٌ أُعدّت لهم في معسكر الذئاب.
الدعاء كثير والدم أكثر. لكن السماء لا تجيب.
لأن الغابة المنسيّة تُقاتل وحدها، بينما أخواتها يكتبن القصائد، يلتقطن الصور ويرقصن تحت المطر الصناعي الذي صُنع من دمها.
في آخر الليل جلس قردٌ حكيم على غصنٍ محروق وقال: من يركع للظلال لا يستحق النور ومن يصفّق للذابح لا يُنتظر منه الرحمة. ثم اختفى خلف الضباب.
ولا تزال المنسيّة تنزف ولا تزال الدعوات تصعد لكن السماء لا تُفتح إلا للقلوب الصادقة... وليس لمن باعوا جذورهم في بازار الرياء.