د.وليد العريض يكتب: الوقوف في المنتصف... بين سكينين

نبأ الأردن -
في بلادٍ تُقام فيها الصلاة وتُغتال فيها الكرامة، يصعد الخطيب إلى منبره كل جمعة كأنه على موجٍ عالٍ، يحاول أن يُمسك العصا من وسطها، لا لينقذ السفينة، بل ليضمن عدم الغرق في "وجع الانحياز".
يبدأ دعاءه، المأمون والمحفوظ:
"اللهم اضرب الظالمين
بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين."
وهكذا تُغسل الأيدي، وتُعلّق القضايا على مشجب القدَر، وتُمنَح الجماهير فتوى الخلاص الفردي… بلا موقف.
في أحد المساجد، خطيب متحمّس، رافع الحاجبين، قالها بكل طمأنينة:
> "نحن لا مع هؤلاء ولا مع أولئك. هؤلاء عندهم ضلال، وأولئك عندهم ضلال آخر. فلا يصحّ أن نقف مع طرف دون الآخر."
ثم تابع: "لكن لا ننسى أن الطرف الشرقي أكثر شرًّا، فقد أفسد في العقيدة، بينما الطرف الغربي أفسد في الأرض فقط."
هكذا اختُزل احتلال الأرض إلى نزوةٍ سياسية، بينما أُلقيت كل صواعق الجحيم على اختلاف المذهب. صارت الخيانة الجغرافية خطأ يمكن تجاوزه، أما الانحراف الفكري (حسب مقاييس المنبر) فهو جريمة لا تغتفر.
ثم وبلا أيّ مواربة أعلن:
> "الحياد هو ملاذ العاقل، ونحن لا نريد أن تُحسَب علينا المواقف."
وأردف بدعاء شبه شعري:
"اللهم لا تُفرّح الطرف الشرقي، ولا تُفرّح الطرف الغربي، واجعلنا نضحك في الخفاء حين تسقط قذائف بعضهم فوق بعض."
أيها الخطيب الفصيح…
هل هي قذائف عدالة تتبادلها قوى الشر؟
أم دمٌ بريء يُهدر من كل جانب، بينما أنتم تكتبون فوقه خطبة الأسبوع القادم؟
في بلاد "الوسطية الممتازة"، يُلعن أحد الطرفين كل جمعة علنًا، ويُسامح الآخر بصمت. لا تُقال الأسماء، لكنّ المعنى يُرمى كحجر في بئر مفتوحة. يتحاشى الخطباء كلمات مثل "احتلال"، "مقاومة"، "تحرير"، ويستعيضون عنها بألفاظ لطيفة مثل: "الطرف الآخر"، "الكيان الموازي"، "الجماعة المتغولة".
هكذا تخرج الجماهير من المساجد كما دخلت:
ضد الجميع، مع أنفسهم، متفائلين بنهاية الطرفين، ومحايدين حتى النهاية…
في انتظار من يربح الحرب ليهتفوا باسمه، ويدعوا له بالنصر، ولو بأثر رجعي.
21-6-2025