د.وليد العريض يكتب: الحياد على رقاب الضحايا: خطابُ النذالة بلُغة الدبلوماسية

{title}
نبأ الأردن -
في زمنٍ يتقن فيه العالم تجميل الجريمة، يُطلب من الضحية أن تبتسم لكاميرا القاتل. يُطلب منها أن تغنّي بلغة جلادها و أن تتقن أبجديات الطأطأة وأن تكتب بيان التنازل بخطّ يدها المرتعش.

ها هي الفأس تُلمّع في المؤتمرات بينما الطين يُجفَّف في نشرات الأخبار. تُباع كلمات "التعايش" في قوارير زجاجية مشروخة ويُسكب السلام المعقّم فوق أنقاض البيوت. كل شيء مرتب بعناية: صورة طفلٍ يحمل راية بيضاء وبجوارها جنرال يشرح نظرية "الردع الإنساني".

لكن مَن قال إن الحياد بريء؟

الحياد – في هذه الحقبة السوداء – ليس سوى القناع المخملي للنذالة. هو الوسادة الوثيرة التي يرتاح عليها الظالمون بعد وجبة دمٍ دسمة. يُقال لنا إنه موقفٌ "عقلاني" بينما يُصنّع في مختبرات الصمت ويُعبّأ في مصانع المصالح.
إنه موسم العربدة الأخلاقية.

جمهورية الحياد المترفّع تستعرض عضلاتها.
تركيا و باكستان و الصين و روسيا و أوروبا بأناقتها المزيفة ودول  الخطب النائمة – عفوًا: "دُمى الرمل الناطقة" – يتناوبون في لعبة الكراسي حول صراخ الضحية.
كلٌّ يزعم النأي بالنفس وكلٌّ يبيع نفسه في سوق الصفقات.

أما دول الخطب النائمة فقد أجادوا تقنيات التبرؤ الجماعي واخترعوا مدرسة جديدة في علم "التواطؤ بالوقار". فالحكيم منهم يوصي بالصبر والجبان يختبئ خلف البيانات والثرثار يصرخ في وجه القاتل: أرجوك اقتل بلطف!
وتسير النكبة.
الصهيوني يعلو.
يصنع من الدم سجادة ومن الخراب إعلانًا لنبوءة التوراة:
"ولتعلُنّ علوًا كبيرًا".
علوًّا لا تخدشه بيانات الاستنكار ولا يبلّله ماءُ الحياد الدافئ.

لكن من يعرف خريطة الزمن يعلم أن السقوط لا يعلن عن نفسه في نشرات الأخبار بل في تآكل الأسطورة من داخلها.
فهل يكون السقوط على يد إيران؟
ربما.
أم يكون على يد المهانين الذين لم يَعد لديهم ما يخسرونه؟
أو على يد فتاة في الخليل تكتب اسمها على حجر وتُلقيه نحو دبابة؟

الأرجح أن نهاية المشروع الصهيوني لن تأتي على يد صاروخٍ فقط بل على يد ذاكرةٍ لم تنَم وعلى يد خطابٍ لم يُدجَّن وعلى يد جيلٍ لم يتورّط في كذبة الحياد.
الحياد أيها السادة 
 ليس فِعلًا نبيلًا.
الحياد حين تُقصف المدن ويُدفن الأطفال ويُغتال التاريخ
هو جريمة.
هو مشاركة ناعمة في المذبحة.
فاحفظوا وجوهكم من مرايا الضحايا لأن المرايا حين تنكسر تفضح مَن عبروا أمامها عراةً من الشرف.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير