مريم اليماني تكتب: في زمن الحرب... يكثر المحللون السياسيون

نبأ الأردن -
حين تنفجر شرارة الحرب في بقعة ما من هذا العالم المتعب، لا يعلو صوت فوق صوت المدافع... إلا صوت المحللين السياسيين. فجأةً، تمتلئ الشاشات وتضجّ المنصات، ويُفتح باب الاجتهادات على مصراعيه: كلٌّ يقرأ الخريطة من زاويته، ويفكك الحدث وفق خلفيته، ويعرض رؤيته وكأنها الحقيقة الوحيدة.
الحرب، كما نعرف، ليست فقط نزاعاً على الأرض أو السلطة، بل هي أيضاً ساحة للخطاب والتحليل والتأويل. وفي زمن الإعلام المفتوح، بات كل مشاهد مشروع محلل، وكل متابع ناقداً استراتيجياً. ومن خلف المكاتب الوثيرة، تُطلق العبارات الحادة، وتُرسم السيناريوهات الكبرى، وكأن الميدان كتاب مفتوح، والدماء مجرد أرقام تُحسب في المعادلات.
لكن السؤال الذي يُقلق الضمير: هل كل تحليلات الحرب بريئة؟ هل هي بحث عن الفهم أم تسويق للمواقف؟ هل هي تعبير عن عقلانية سياسية، أم تلاعب بالعواطف وزرع الاصطفاف في وجدان الشعوب؟
كثافة التحليل ليست دائماً مؤشراً على وضوح الرؤية، بل قد تكون في كثير من الأحيان انعكاساً لحالة التشويش، ونتيجة طبيعية لانقسام الخطاب وازدواجية المعايير. فكل طرف يجد من يبرر له، ومن يجمّل له وجهه القبيح. أما صوت الضحايا، صوت الحقيقة الغائبة، فيُدفن تحت ركام "التحليل السياسي".
وفي زمن الحرب، لا تنطفئ الشاشات، بل تزداد توهجاً. تغدو السياسة مشهداً يومياً، والحرب مسلسلاً تحليلياً طويلاً، لكن المأساة تظل قائمة، والدمع لا يجف، والخراب لا يُمحى بتأويل أو رأي.
فليكن التحليل السياسي مسؤولية، لا مجرد استعراض ثقافي. ولْيُراعِ المحللون أن الحروف قد تُلهب ناراً، أو تفتح باب أمل... أن الكلمة موقف، وليست فقط فصاحة.
وفي زمن الحرب... نحتاج إلى إنسانية أكثر من حاجة الشاشات إلى محللين.