باسل الجرابعة يكتب: الشرق الأوسط قيد التجديد

نبأ الأردن -
لطالما كان الشرق الأوسط مركزًا للأحداث الكبرى ومنطقة حيوية في قلب العالم القديم والحديث. أرض تداخلت فيها الحضارات وتشابكت فوقها المصالح وتعاقبت عليها النزاعات.
واليوم وبعد عقود من الحروب والتقلبات يبدو الشرق الأوسط وكأنه يعيش مرحلة إعادة تشكيل مرحلة "قيد التجديد"بمعنى الكلمة.
تحولات سياسية لا تهدأ
منذ بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بدأت خرائط السياسة في الشرق الأوسط تتغير. بعض الأنظمة سقطت وأخرى وُلدت على أنقاضها. شعوب خرجت تطالب بالحرية وأخرى دفعت ثمنًا باهظًا لأحلامها.
التحالفات لم تعد كما كانت، والعلاقات التقليدية بين الدول دخلت مرحلة مراجعة. دول كانت خصوماً باتت تسعى للتقارب،وأخرى كانت متحالفة بدأت تبتعد بهدوء. هذه التبدلات السريعة تشير إلى أن الشرق الأوسط لم يعد يتبع قواعد اللعبة القديمة بل بات يكتب قواعد جديدة وإن كانت غير واضحة تماماً حتى الآن.
اقتصاد ينهض من تحت الركام
رغم الصراعات، إلا أن بعض دول المنطقة بدأت تعيد التفكير في نماذجها الاقتصادية. رؤية 2030 في السعودية ومشاريع التنويع الاقتصادي في الإمارات، وجهود إعادة الإعمار في العراق وسوريا ومصر، كلها مؤشرات على سعي المنطقة إلى نهضة اقتصادية شاملة كلّها مؤشرات على أن هناك إدراكًا متزايدًا بأن المستقبل لا يُبنى بالنفط فقط، بل بالعلم، والبنية التحتية والأستثمار في الإنسان.
الشباب وقود التجديد..
أكثر من نصف سكان الشرق الأوسط هم من الشباب هذه الكتلة البشرية الكبيرة هي مفتاح التغيير الحقيقي. جيل ولد في عالم الإنترنت وتشكل وعيه في ظل انفتاح تكنولوجي غير مسبوق. لديه طموحات تختلف عن أجيال سبقت ويطالب بدور أكبر في صناعة القرار.
لكن هذا الجيل أيضآ يعاني من البطالة والاغتراب الداخلي وصدمات سياسية متراكمة. ومع ذلك لا يزال يمتلك طاقة قد تُفجر إمكانات المنطقة في حال أُحسن توجيهها.
الهوية بين التقليد والتحديث ..
التجديد في الشرق الأوسط لا يمر فقط عبر السياسة والاقتصاد بل يتصل أيضاً بالهوية. شعوب تبحث عن توازن بين الأصالة والحداثة وبين الجذور والانفتاح بين الدين كقيمة روحية والدولة كمؤسسة مدنية.
هناك صراع هادئ (وأحيانًا صاخب)في المجتمعات بين من يطالبون بتغيير ثقافي واجتماعي جذري وبين من يخافون ضياع الثوابت. هذا الصراع ليس سلبياً دائماً بل قد يكون جزءاً ضرورياً من مسار التجديد والنضج الجماعي.
نكتب تجديدنا بأيدينا كما نريد لا كما يُراد لنا..
الشرق الأوسط قيد التجديد نعم لكنه ليس على وشك أن يصبح نسخة مكررة من الغرب ولا أن يعود إلى عزلة الماضي. بل هو يحاول (بصعوبة)أن يجد طريقه الخاص بهوية عروبية فريدة ودور عالمي جديد.
التجديد الحقيقي لا يعني التخلي عن كل ما مضى،بل يعني أن نأخذ من ماضينا ما يعيننا ونتخلص مما يُعيقنا ونتقدم بثقة نحو المستقبل نشدو اليه.