د.وليد العريض يكتب: نتنياهو ومزرعة النهايات: حين يقود الجنون قافلة الخراب

حين يقف قائدٌ صغير على أنقاض الأخلاق ويُخاطب العالم بلغة الصواريخ لا السياسة فإنه لا يبني دولة بل يحفر قبرًا وسط الرماد.

بنيامين نتنياهو الرجل الذي قايض الأمن بالوهم والهيبة بالعناد يقود ما تبقى من إسرائيل كما يقود سائق مخمور شاحنة محملة بالمتفجرات على طريق جبليّ. هو لا يعرف إلى أين يسير لكنه مصرّ على أن يدهس كل ما أمامه حتى لو كان نفسه.

لقد تجاوز الرجل حدود المنطق وصار يحارب الجميع دفعة واحدة: في الشمال و في الجنوب و في الهواءو تحت الأرض وحتى في أحلامه. فتح كل الأبواب دفعة واحدة فدخلت إليه الكوابيس من كل الجهات. ومن يفتح كل الجبهات في آنٍ واحد كمن يقرع أبواب الجحيم برجليه.

كانت الدول تسقط قديمًا من داخلها الآن تسقط بسبب قيادتها. أما إسرائيل فهي تسابق نفسها في الوصول إلى الحافة بينما يلوّح نتنياهو بقبضته وكأنه ينتصر. لا يدرك أن اليد المرتفعة كثيرًا هي أول ما تُقطع حين تسقط الشجرة.

يتصرف كأنه الإمبراطور الأخير في عرضٍ مسرحي لكنه نسي أن الجمهور قد غادر القاعة ولم يبقَ إلا هو والمرايا.

ما يحدث ليس بطولات بل فصول جديدة في كتاب كيف تخسر كل شيء وأنت تصرّ أنك تربح. لا جيش يستطيع أن يكون مطفأة لحرائق تشتعل في كل اتجاه ولا خطاب يستطيع أن يخفي الشروخ المتزايدة في قلب المجتمع. الكل متوتر فالاقتصاد يئن و حلفاء الأمس يتململون والجنود يسألون عن معنى المهمة.

حتى أميركا –الراعي العجوز– بدأت تسأل نفسها: إلى متى سنصرف على هذه الحرب التي لا نهاية لها؟ وإلى متى سنغطي على مغامرات هذا القائد الذي يحرق الحلفاء قبل أن يحارب الأعداء؟

أصبحت إسرائيل آلة تصنع العنف وتلتهمه في الوقت نفسه كمن يزرع النار ليحصد الرماد. كل قصف جديد يفتح ثقبًا آخر في جدار الشرعية وكل توغلٍ يجعلها أكثر عزلةً من ذي قبل.

نعم تنتصر في المعارك لكنها تخسر المعنى والمستقبل والإنسان. ومن ربحَ الساحات وخسر روحه فقد خسر الحرب.

إنه ليس سقوطًا مفاجئًا بل تآكل بطيء. مثل شمعة تحترق بشراهة في غرفة مغلقة. ما تراه ضوءًا هو في الحقيقة احتضار.

ومن تحت هذا الحطام تولد مقاومة أكثر وعيًا لا تصرخ بل تحصي أخطاء العدو. تفهم اللغة وتنتظر اللحظة.

فيا نتنياهو استمر في القيادة لكن لا تندهش حين تصل أخيرًا وتكتشف أنك لم تكن تقود إسرائيل بل كنت ترافقها في جنازتها