د.حسن براري يكتب : تيار التغيير الأخواني .. الوجه الآخر لسياسات تمكين إسرائيل في المشرق العربي!

نبأ الأردن -
في مشهد يفيض بالسريالية السياسية، تطل علينا جماعة الإخوان المسلمين في الخارج عبر ما يُعرف بـ "تيار التغيير" بدعوة جديدة، أقل ما يُقال عنها إنها جرس إنذار يدق في توقيت حساس للغاية. يدعو هذا التيار الإخواني، الذي يُطلق عليه "جناح محمد كمال"، أنصاره في الأردن لمواجهة الدولة، متجاوزًا الخطوط التقليدية للعمل السياسي إلى مرحلة التحريض المباشر ضد الأنظمة العربية.
لا يكتفي تيار التغيير بانتقاد "التقاعس" المزعوم داخل الإخوان تجاه القضايا الإقليمية، بل يطالب بتوسيع المواجهة لتشمل الأنظمة العربية كافة، متهمًا إياها بالارتباط بإسرائيل والتغاضي عن دعم القضية الفلسطينية. في بيانه الأخير، أطلق التيار دعوات صريحة للحسم واعتبر أن "المواجهة مع تلك الأنظمة أصبحت واجبًا"، متجاهلًا تمامًا تعقيدات الواقع السياسي والتحديات التي تواجهها الدول العربية.
إذا كان الهدف المُعلن لتيار التغيير هو "تحرير الأقصى"، فإن الوسائل التي يعتمدها لا تخدم إلا المشروع الصهيوني. فمنذ عام 1948، سعت إسرائيل إلى إفراغ الأرض الفلسطينية من سكانها، مستخدمة وسائل التهجير القسري، الاحتلال العسكري، والتوسع الاستيطاني. واليوم، تفتح هذه الدعوات التحريضية أبوابًا جديدة لإشعال جبهات إقليمية، تُضعف قدرة الدول العربية على مواجهة التهديد الإسرائيلي، بل قد تُمكّن تل أبيب من تسريع مشروعها الاستيطاني والتهجيري دون معوقات وبخاصة في ظل الاختلال الفادح في موازين القوى السائدة.
اللافت أن تيار التغيير يعتمد نهج العنف كوسيلة لتحقيق أهدافه السياسية، متجاهلًا تمامًا أن هذه الوسيلة أثبتت تاريخيًا أنها تهدم الأوطان قبل أن تبنيها. وكما هو واضح للعارفين، يتحول هذا النهج إلى خدمة غير مباشرة لأجندات إسرائيلية تسعى إلى تحويل الدول العربية إلى ساحات نزاع واقتتال داخلي ما يساهم بشكل مباشر في تفككها الداخلي وانشغالها عن القضية المركزية.
من اللافت أن تيار التغيير يسعى للهيمنة على أدبيات الإخوان المسلمين (من خلال تبني مقولات ونهج حسن البنا في العنف وسيد قطب في نشر افكار العنف) مستغلًا شعارات المقاومة لتحويل التنظيم من حركة سياسية ذات أهداف دعوية إلى تنظيم يتبنى العنف منهجًا وأسلوبًا. هذه السيطرة لا تُعبّر عن تطور إيجابي في بنية الجماعة، بل تُؤكد انزلاقها نحو مسارات تُهدد استقرارها الداخلي وتُضعف شرعيتها أمام قواعدها الشعبية.
تأتي هذه الدعوات المدعومة من منابر إخوانية إقليمية في سياق إقليمي مضطرب، حيث تواجه القضية الفلسطينية تحديات وجودية بسبب تصاعد الاستيطان، واستمرار الحصار، واستمرار دولة الكيان في إبادتها للفلسطينيين، وتفاقم الأزمات العربية. لكن بدلًا من أن يُقدم تيار التغيير حلولًا بنّاءة، يُصر على صب الزيت على نار الانقسامات، متناسيًا أن التحرير الحقيقي لا يأتي من استنزاف الدول العربية، بل من توحيد الصفوف لمواجهة التهديد المشترك.
وختامًا، لا يمكن الحديث عن تحرير الأقصى بمزيد من النزاعات الداخلية أو بتأجيج العنف ضد الأنظمة العربية، بل يتحقق بوحدة الموقف العربي، واستراتيجية شاملة تُوازن بين المقاومة السياسية، العمل الدبلوماسي، والتكاتف الشعبي. أما تيار التغيير، فإنه ليس أكثر من أداة لإضعاف هذه الجبهات، وتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها الحقيقي، ليبقى الرابح الوحيد في النهاية هو الاحتلال الإسرائيلي.
وفي وقت احسنت الدولة الأردنية التحرك بحسم ضد هذه الشبكة في الداخل وإبراز العين الحمراء لتذكير الجميع بالدولة كقيمة عليا وقدرتها على البطش بمن يحاول أن يعبث بها، فكثير من المناصرين لتوجهات الحركة لا يفهمون أبدا تداعيات التساهل مع تحويل الأردن إلى ساحة بحجة ضرورة احتواء الجميع، وعليه، يقع على عاتق الدولة الأردنية حسم هذا الملف وأمننته بشكل كامل، إذ لا يمكن ترك مصير البلاد والعباد لمراهقات تنظيمية وحزبية لم تدخل بلدًا إلا ونثرت به الخراب والدمار والانقسام.