جهاد مساعده يكتب: الأحزاب الموسمية حضور انتخابي وغياب سياسي

{title}
نبأ الأردن -
في السنوات الأخيرة، شهد الأردن تحوّلًا سياسيًا مهمًا تمثّل في مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وما تلاها من تعديلات دستورية جوهرية وصدور قانون جديد للأحزاب. جاءت هذه الخطوات ضمن إرادة ملكية واضحة تهدف إلى ترسيخ الحياة الحزبية كمدخل أساسي للديمقراطية وتعزيز المشاركة الشعبية في صناعة القرار.
لقد وفّرت الدولة إطارًا قانونيًا وسياسيًا آمنًا، وأعلنت التزامها بحماية العمل الحزبي وتشجيعه، وفتحت الأبواب أمام الشباب والمرأة ليكونوا جزءًا فاعلًا من المشهد السياسي المستقبلي، في بيئة سياسية داعمة وواضحة المعالم.
ومع ذلك، فإن المشهد بعد الانتخابات النيابية الأخيرة كشف عن غياب حقيقي للأثر الحزبي على الأرض. التراجع لم يكن ناتجًا عن تضييق أو إقصاء، بل كان نتيجة مباشرة لتقاعس الأحزاب عن أداء دورها، وعجزها عن تطوير بنيتها التنظيمية، وغياب إرادتها الفعلية في التفاعل مع قضايا المجتمع.
لقد اكتفى العديد من الأحزاب بالحضور الموسمي، فتنشط قبيل الانتخابات، وتملأ الساحات بالشعارات والوعود، ثم تغيب عن المشهد العام. لم نشهد تواصلًا منهجيًا مع القواعد، ولا حراكًا سياسيًا مستمرًا، ولا برامج واقعية، ولا مبادرات مجتمعية تعبّر عن قربها من الناس أو إدراكها لأولوياتهم.
وفي أحسن الأحوال، اقتصر نشاط بعض الأحزاب على بيانات مكتوبة في مناسبات وطنية، أو تعليقات عابرة على أحداث عامة، دون أن تُترجم إلى مواقف سياسية مسؤولة أو مشروعات قابلة للتنفيذ.
إن هذا التراجع هو مسؤولية الأحزاب أولًا وأخيرًا. فقد أُتيحت لها فرصة تاريخية لإثبات حضورها، لكنها لم تُحسن استثمارها. لم تُجرِ مراجعة حقيقية لأدائها، ولم تبادر إلى بناء جسور الثقة مع الناس، أو الاشتباك الجاد مع قضايا الرأي العام، أو تجديد حضورها في المشهد الوطني.
والأخطر من ذلك أن بعض هذه الأحزاب تحوّلت إلى كيانات شكلية، تُدار بذهنية نُخبوية مغلقة، وتفتقر إلى الأدوات الفكرية والتنظيمية للتأثير أو التغيير، ما جعلها منفصلة عن الشارع وغير قادرة على تلبية الحد الأدنى من التوقعات.
لقد تراجعت بعض الأحزاب لأنها اختارت التراجع، ولأنها أخفقت في تأهيل ذاتها لتكون قوى فاعلة في مرحلة تتطلب الحضور السياسي لا الغياب، والمبادرة لا الانتظار.
وباختصار، فإن المشكلة لا تكمن في الإطار القانوني أو السياسي، بل في غياب الإرادة والفاعلية داخل الأحزاب نفسها. فالدعم الرسمي، والتشريعات المتقدمة، والانفتاح السياسي، لم تُقابل بخطاب صادق أو سلوك تنظيمي جاد يُعيد الثقة بين المواطن والحزب.
وهنا تتجلّى النتيجة الأخطر: فقدان الثقة. لقد بات الشارع يرى في الأحزاب كيانات شكلية لا تمثّله، ولا تعبّر عن قضاياه، ولا تحضر إلا في موسم الانتخابات لتختفي بعده دون أثر فعلي أو استمرارية تُذكر.
وإذا استمر هذا النهج، فإن الأحزاب الحالية لن تفقد دورها فقط، بل ستفسح المجال لأحزاب جديدة أكثر قربًا من الناس، وأكثر قدرة على فهمهم، والتواصل معهم، واحترام وعيهم، والتعبير عن أولوياتهم.
ربما ما تحتاجه الأحزاب الآن ليس فقط مراجعة برامج، بل مراجعة وجود، تعيد من خلالها تعريف دورها، وأسلوب عملها، وتماهيها مع المجتمع.
فهل نشهد صحوة حزبية حقيقية تُعيد للأحزاب مكانتها؟
أم أنها ستبقى في سباتها، حتى إشعار انتخابيٍّ آخر؟
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير