حمادة فراعنة يكتب : رحيل عيسى الشعيبي
نبأ الأردن -
بكل هدوء، كما هو، وبدون ضجيج كما هي شخصيته، رحل الكاتب السياسي: الوطني، القومي، التقدمي اليساري: عيسى الشعيبي، ابن المهنة، المتمكن من مفرداته ومضمونه، المتفوق على أقرانه.
لم يكن كاتباً قصصياً، ولا روائياً، ولا شاعراً، ولكنه كاتب عمود، غير عادي، ولم يكن أحد يمتلك الحد الأدنى من الفهم أو القراءة، إلا وأن يقرأ ما يكتب، لأنه كان يترك الأثر الطيب الواعي لدى القارئ، سواء كان صديقاً أو خصماً أو محادياً.
كان فلسطينياً حتى نخاع العظم، عروبياً مكتمل الأوصاف، وتقدمياً بلا تردد، تأثر بفكر حركة القوميين العرب، وعبدالناصر، وبحركة فتح وانطلاقة الثورة الفلسطينية، وبالفكر التقدمي اليساري المعادي للاستعمار والتخلف.
ألف كتابه في وقت مبكر عن «الكيانية الفلسطينية» وتطلعاتها وبذورها وأهميتها كنقيض للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، عمل في مركز الأبحاث الفلسطيني مع صبري جريس ومحمود درويش, وقادة الفكر الوطني الفلسطيني.
عاد إلى الأردن من حلقة الدراسة في القاهرة، ومن العمل في بيروت، متفرغاً في جريدة الدستور، كاتب الافتتاحية اليومية، وكاتب مقال مع راكان المجالي ومؤنس الرزاز، فكان مميزاً، ذا نكهة لها طعم الفكر والوعي والدفاع عن الوطنية الأردنية بكل ما تحمل من وضوح الرؤية، والانتماء والتعاضد والامتداد القومي التقدمي.
حضر اللقاء مع الراحل الملك حسين في جريدة الدستور حينما زارها يوم 30/11/1988، حيث كنت أعمل، وألقيت كلمتي «الاستفزازية» و»المتطرفة»، واستقبلها الراحل الكبير بسعة صدر، فقال لي عيسى الشعيبي معلقا: «لو اقتصرت حياتك السياسية والمهنية على هذا الخطاب الشجاع الجريء أمام الملك حسين، فهذا يكفيك فخرا، وهذا يكفي لأن يُسجل في تاريخك السياسي علنا»، و قال لي أيضاً: « لقد تفوق عليك الملك حسين برده عليك حينما قال لك:
«كل منا أسير موقعه، لو كنت مكانك لما ترددت أن أقول ما قلت، ولو كنت مكاني لما فعلت أكثر مما فعلت»، وقال لي «لقد فتح خطابك أمام الملك حسين بوابة الاقتراب والصداقة والتقدير»، وهكذا كان.
رحل عيسى شعيبي تاركاً إرثاً من الاحترام والتقدير، والحاجة، حيث لم يكن يفعل ما يتعارض مع قناعاته، كان مخلصاً لما يرى أنه صحيح، بدون ادعاء وتسلط وتطرف، كان واقعياً يمتلك القدرة على استحضار مفرداته المعبرة، المحرجة لخصم يرى البديل أو النقيض، يتسلل لوعيك باتزان، لتجد القواسم المشتركة التي تجمع ولا تفرق، فهو ينظر الى الصراع الأساسي مع المستعمرة الإسرائيلية، والباقي تفاصيل، واجتهادات تحتمل الصواب أو الخطأ.
برحيل عيسى الشعيبي نكون حقاً قد فقدنا الصديق والكاتب والمبدع الذي فرض مكانة ومساحة واسعة من الحضور، والنقاش، والوطنية الحقة، يصعب تعويضها.
العزاء ما تركه لنا عيسى الشعيبي من إرث وعلاقة وكتابات، وبعيداً عن كشف سر عميق ومعرفة أكيدة أنه كتب كافة مجلدات القائد الفلسطيني أحمد قريع عن المفاوضات وخلفية اتفاق أوسلو، إلى الحد الذي يمكنني القول إن مجلدات أحمد قريع، بمثابة مذكرات أحمد قريع بقلم عيسى الشعيبي، كان مخلصاً في كتاباته ولم يتوقف أمام من هو الكاتب الحقيقي لتلك المذكرات والوقائع، كان يكتب عنها باعتبارها التاريخ والوقائع التي صنعت حالة التحول الفلسطيني، ونقل العنوان والنضال والمؤسسة الفلسطينية من المنفى إلى الوطن.
للراحل الصديق ما يستحق من التقدير الوطني، لأنه رحل في عهد صعب، كان يفترض أن يكون رحيلاً بما يليق به: كاتب كبير.