د.فاطمة النشاش تكتب: عندما يصبح الظلام جليسك
نبأ الأردن -
لا أعرف من أين أبدأ، فالكلمات تبدو ثقيلة.. ككل شيء آخر في حياتي.. أعيش وكأنني عالقة في فراغ لا ينتهي.. في أعماق الروح، هناك رياح عاتية تقتلع كل ما يربطني بالأمل.. تمر الأيام كنسخ مكررة من اللون الرمادي.. يتجمد فيها الوقت ويتحول الى معاناة لا يمكن وصفها.. الاكتئاب ليس مجرد شعور بالحزن أو لحظات من الإحباط بل هو ضيف ثقيل الظل، يجلس على صدرك.. يمنعك من التنفس بحرية أو حتى الحلم بالنجاة... إنه كيان ثقيل يلتف حول النفس، يسرق منك شغفك بكل شيء حتى بالأشياء التي كنت تراها يومًا مصدرًا للحياة.. يصبح العالم فارغًا، بلا قيمة ولا طعم ولا لون.. وكأنك تنظر إليه من خلف زجاج مشوه.. كل صباح هو بداية جديدة للصراع.. أستيقظ وكأنني أحمل جبلاً على صدري.. النهوض من السرير يُعد معركة، حتى ارتداء ملابسي يبدو وكأنه مهمة مستحيلة.. أواجه مرآتي.. أبحث عن نفسي.. فأرى وجهًا غريبًا، شخصًا بالكاد اعرفه.. أتساءل بصوت خافت: أين ذهبت؟ أين اختفى ذلك الشخص الذي كنت أعرفه؟ أقول لنفسي: لماذا أشعر بهذا الثقل الذي لا يمكن وصفه؟ لماذا لا أستطيع النهوض فقط والتصرف بشكل طبيعي؟ لكن الحقيقة أن الاكتئاب لا يترك مجالًا لتلك البساطة.. إنه يستهلك العقل ببطء.. ويجعل حتى أبسط المهام اليومية تبدو وكأنها تسلق جبل شاهق.. أحاول التحدث إلى من حولي، لكن يبدو وكأن كلماتي تفقد معناها عندما أقولها بصوت عالٍ.. أسمع من حولي يقولون: كل شيء سيكون بخير.. فكري بإيجابية.. لكن هذه العبارات، رغم نيتها الحسنة، تزيد من شعوري بالعجز.. كيف أشرح أن التفكير الإيجابي بالنسبة لي ليس خيارًا، بل معركة؟ وأن هذه العبارات تزيد من شعوري بالعجز.. كيف أشرح لمن حولي أنني لا أستطيع التفكير بإيجابية؟ كيف أقول إن عقلي يرفض الاستجابة!! وكأنني عالقة في حلقة مفرغة تدور بي بلا رحمة.. أصدقاء وأحباء قد يقدمون كلمات دعم عابرة، لكنها في كثير من الأحيان تبدو سطحية وغير كافية.. وربما تفتح جرحًا جديدًا.. لكن رغم كل شيء، هناك لحظات صغيرة خافتة، تبدو وكأنها تضيء هذا الظلام ولو قليلاً.. ربما صوت شخص قريب يسأل عن حالي بصدق، دون أحكام.. أو لحظة أجد فيها طمأنينة في كتاب أو أغنية.. أكتب هذه الكلمات لأذكر نفسي بشيء واحد: أنني ما زلت هنا.. ما زلت أقف.. حتى لو كانت خطواتي ثقيلة وبطيئة ومتعثرة، لكنني أحاول.. التشافي ليس طريقا مستقيما يحدث بين ليلة وضحاها، إنه سلسلة من المحاولات الصغيرة التي قد تبدو بلا معنى في البداية لكنها تؤدي في النهاية إلى حياة أفضل.. هناك أمل في الأصدقاء الحقيقيين، وفي لحظات من اللطف الصادق.. وفي القدرة على الوقوف من جديد بعد كل سقوط... كل يوم يمر، حتى في أصعب اللحظات، هو دليل على أنني أقاوم.. ربما لن أعود لنفسي التي كنت أعرفها يومًا، لكنني أؤمن أنني سأجد نسخة جديدة مني.. ربما أكثر صلابة وقوة.. وربما فقط ربما.. سيقرأ أحدهم هذه الكلمات.. لتخبره أنه ليس وحده في هذا الصراع..