أحمد نضال عواد يكتب : نقابة المهندسين : بين الطموح والواقع
نبأ الأردن -
إن أعداد المهندسين في الأردن الأعلى في العالم نسبة لعدد السكان، إذ يوجد مهندس أو مهندسة لكل 40 مواطناً، ما يعكس الأهمية البالغة لوجود نقابة مهنية تقوم بأدوارها التنظيمية في سوق العمل، وتساهم في تطوير مشاريع مستدامة بالشراكة مع القطاعات التنموية كافة لعلاج تحديات البطالة بين صفوف المهندسين والتي وصلت لمستويات غير مسبوقة يعرفها ويعيشها الجميع!
إنّ المتابع لنقابة المهندسين يدرك حجم الدور الكبير المهني والوطني المطلوب منها تجاه المنتسبين لها ؛ وهنا أود الإشارة أن كل مهندس هو مشمول بذلك سواء كان مسدداً لالتزاماته المالية المترتبة عليه أو غير مسدد؛ لأنّ غير المسدد لو وجد اهتماماً كافياً من النقابة بالتواصل المباشر معه لغايات التدريب أو التشغيل أو عرض فرص استثمارية أو أي فائدة يستفيد منها المهندس لبادر بالتسديد لوحده ودون إلزامية هذا في حال كان مهندساً قد وجد فرصة وظيفية سمحت له بتوفير دخل مالي يتيح له العيش الكريم!
أما أن تواصل النقابة مطالبة المهندسين بالتسديد دون أن يلمسوا فوائد مباشرة لدفعهم هذه المبالغ المالية فأعتقد أنه اجحافا وظلما لهم وللمهنة، فكمهندس منتسب للنقابة وصلني وغيري من زملائي وزميلاتي عشرات الرسائل في هذا الشهر والتي تدعو للسداد أو تقسيط المبالغ وكنت أتمنى لو وصلتني هذه الرسائل من النقابة وفيها فرصا للتدريب أو التشغيل أو المشاركة في مؤتمرات أو ندوات أو غيرها مما هو أنفع من المطالبة بالتسديد فقط!
والقاعدة التي يجب أن نكون عليها تنبثق من قول النبي صلى اللّه عليه وسلم " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قلنا: يا رسول الله، نصرته مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟ قال: «تَكُفُّهُ عَنِ الظُّلْمِ؛ فَذَاكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ»" صدق رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم.
الحديث يطول وإنما أجد نفسي باحثاً عن الحقيقة دائماً وغيري الآلاف من المهندسين، وباحثاً عما يجمع أبناء وبنات المجتمع ويوحدهم ويعزز تماسكهم المجتمعي، وينبذ الفرقة والخلاف والكراهية بينهم بغض النظر عن انتماءاتهم العقائدية أو الفكرية أو الحزبية؛ فالاختلاف بالرأي لا يفسد الود، والجميع شركاء في بناء هذا الوطن واستقراره ومنعته والوقوف بوجه أعدائه ومخططاتهم بالتقسيم أو التخريب أو الإخلال بمنظومة الأمن والاستقرار المجتمعي، وجميع الأردنيين هم صف واحد للحفاظ على أمن الوطن واستقراره وسلامة مؤسساته الوطنية.
النقطة الأولى التي أريد الانطلاق منها بهذا المقال هي صندوق التقاعد؛ والذي تشكل نقطة إلزامية الاشتراك فيه للمهندسين تحدياً كبيراً خاصةً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها وازدياد أعداد الباحثين عن العمل بين المهندسين أنفسهم وعدم وجود فرص عمل جديدة ومستدامة أو مشاريع اقتصادية تحفز النمو الاقتصادي وتساهم بتوفير فرص العمل على النحو الكافي لعلاج التحديات المتاحة، وعليه؛ فلماذا لا يتم التفكير من مجلس النقابة الحالي أو القادم بعد أشهر قليلة وحيث يفصلنا عن موعد الانتخابات القادمة أقل من شهرين، والتفكير بإلغاء هذا الصندوق مثلا!
وما المانع من نشر و عرض تقارير الصندوق منذ نشأته وحتى الآن أمام الهيئة العامة لاطلاعهم عليه وتقديم المكاشفة والمصارحة التي هي علاج لكل التحديات التي تواجهنا بالنقابة أو خارجها، إذ أعتقد أنه علينا التفكير خارج الصندوق وبما يضمن أيضا حقوق الزملاء المنتسبين المسددين أو الذين وصلوا لسن التقاعد والبحث عن حلول جديدة لسدادهم حقوقهم بعيداً عن جيب المهندس الشاب الذي بالغالب ما يزال باحثاً عن عمل أو يعمل على تكوين نفسه في وطنه أو أنه يعمل بالغالب في غير اختصاصه أصلاً لأنه لم يجد فرصة مناسبة له!
ومن هذه الحلول إجراء مباحثات بين مجلس النقابة و مؤسّسة الضمان الإجتماعي أو المؤسسات المحلية والدولية التي لديها صناديق استثمارية للوصول إلى أفضل معادلة ممكنة تضمن للذين وصلوا لسن التقاعد مواصلة حصولهم على حقوقهم، والذين لهم اشتراكات مسددة يتم وضع الخيار لهم بسحب رصيدهم ضمن فترات تحددها دراسات وأبحاث يجب على النقابة القيام بتنفيذها وبما يضمن الإيفاء بهذه الالتزامات إيرادات النقابة المتوقعة حينها.
كما يتزامن مع هذا الاقتراح؛ إمكانية إنشاء صندوق اختياري للمهندسين تحت اسم صندوق الاستثمار الاجتماعي لنقابة المهندسين الأردنيين والذي يسمح للمهندسين الاشتراك به بأسهم، ويتم انتخاب مجلس إدارة لهذا الصندوق من خلال جميع المشتركين فيه حينها، بحيث يتولى تنفيذ مشاريع استثمارية حسب إيراداته والاتفاقيات التي بالإمكان تنظيمها بينه وبين القطاع الخاص والمؤسسات المحلية والدولية؛ فأنا أستغرب وغيري من المهندسين الكثير لماذا لغاية الآن لا يوجد مصانع وشركات تابعة للنقابة؟! أو لماذا لا يوجد وكالة سيارات للنقابة على سبيل المثال؟! أو لماذا لا يوجد شركة لبيع الحديد والاسمنت ومستلزمات مواد البناء والكهرباء وغيرها تابعة للنقابة بشكل مباشر؟! وهذا ما سيوفر بالطبع أيضا إمكانية البيع المباشر نقدا أو بالتقسيط وفق ممارسات أفضل من المعمول فيه حالياً باعتقادي!
وللتوضيح فالمقصود بالاستثمار الاجتماعي هو الشراكة ما بين راس المال وأصحاب الأفكار والمشاريع الناجحة لتطويرها وتوفير فرص عمل جديدة، وهناك العديد من المقترحات المرتبطة بذلك والتي بالإمكان إفراد مقال متخصص بها لاحقاً.
النقابة التي نريدها للمهندسين في الأردن هي الكيان التنظيمي للمهنة التي ينظم عمل المهندسين ويمنع تغول الشركات عليهم، فلا يعقل مهندس أمضى سنوات عديدة بين مختبرات ومشاغل كلية الهندسة في جامعته ألا يجد فرصة عمل مناسبة له تليق بالمهنة و بسنوات الجد والاجتهاد التي أمضاها، النقابة التي نريدها هي تلك التي تقوم بإجراء الدراسات والابحاث والاتفاقيات مع كافة الجهات ذات العلاقة لضمان وجود تدريب ينتهي بالتشغيل في القطاع الخاص وضمن حد أدنى للراتب يتناسب مع سنوات الخبرة لدى المهندس/ـة.
المهندسون لا يريدون تنظيراً ولا يريدون حتى مقالي هذا باعتقادي، بل إنهم يبحثون عن الإنصاف في وطنهم وعن نقابة تكون مظلة عادلة لهم، تطالب لهم بمستقبل وظيفي يسمح لهم بالتطور، وبنفس الوقت نقابة مهنية تقدم برامج مستدامة تساعدهم على المشاركة في صنع القرار !
الحل يبدأ عندما نعترف بوجود الأخطاء، ونبدأ بالبحث عن حلول مبتكرة للتحديات، بعيداً عن الإكراه والاجبار، فإذا كان بالدين لا يجوز الإكراه كما بين الله عز وجل في كتابه :" لا إكراه بالدين " فمن باب أولى ألا يتم إجبار المهندسين على إلزامية صندوق التقاعد بدعوى أهمية ذلك للوفاء بالتزامات الصندوق أو غيرها، فالمهندسين إن وجدوا من يحتضنهم ويصارحهم بشفافية، ووضع لهم خطة عمل تنفيذية قابلة للتطبيق وقام باشراكهم في وضعها وتنفيذها بشكل يُساهم بتدريبهم وتوفير فرص التشغيل لهم محلياً أو دولياً بشكل عادل، سيلتفون حول نقابتهم ومجلسها ويكونوا لهم العون والسند.
أيضاً، مع تطور التكنولوجيا وتقنيات التحول الرقمي، فإنني أرجو مجلس النقابة تطوير تطبيق للمهندسين ( لجميع المهندسين سواء كانوا مسددين أو غير مسددين فبالنهاية هم أبناء وبنات الوطن وحصلوا على شهادة أكاديمية تعترف بحصولهم على درجة أكاديمية معتمدة محلياً ودولياً )، بحيث يتيح هذا التطبيق تعزيز التواصل المباشر بين مجلس النقابة والهيئات المنتخبة جميعها بالنقابة واللجان وجميع أعضاء الهيئة العامة، وكذلك دراسة إمكانية تعديل قانون النقابة بحيث يكون التصويت على القرارات من خلال هذا التطبيق بالمراحل اللاحقة وبما يضمن إشراك جميع المهندسين الذين يفوق عددهم 180 ألف مهندس/ـة داخل وخارج الوطن بتطوير نقابتهم، والمشاركة في صنع القرار فيها، فاليوم كل مهندس ومهندسة قادر/ة على الابداع والتميز والابتكار.
ولا ننسى الجهود المبذولة في نقابة المهندسين لنصرة الأهل في غزة، جزى الله كل من يساهم في ذلك خيراً، إلا أننا نتطلع لأدوار أكبر للنقابة في إعمار غزة وسوريا الشقيقة الفترة القادمة بإذن اللّه تعالى، ونأمل أن يكون لنقابتنا مشاريع استثمارية واعدة بقطاعات التدريب والتشغيل بما يضمن تطوير المهنة وتسويق الكفاءات الهندسية المتاحة في أردننا الغالي محليا ودولياً وبالتعاون مع سفارات المملكة بالخارج وجميع الوزارات والمؤسّسات المحلية والدولية المعنية.
هذا الأردنّ وطن راسخ الجذور، واضح الهوية والمبادئ، والنجمة السباعية في علم بلادي تستحق الأفضل دائماً.