نشأت الحلبي يكتب : هل نحن حقاً على شفا حربٍ إقليمية؟!

{title}
نبأ الأردن -
منذ السابع من أكتوبر العام الماضي، لم أكتب سوى مقالين اثنين تحدثت فيهما عن السيناريوهات المحتملة، لتلك العملية "التاريخية"، وهما : إما أن تذهب دولة الاحتلال إلى حرب لا تُبقي ولا تذر، خاصة في غزة، وإما أن تضطر للجلوس على طاولة المفاوضات مدفوعة بضغط وجود أسرى لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس.

وفي قادم الأيام، ثبت بأن دولة الاحتلال قد ذهبت الى الخيار الأول غير آبهة بمصير الأسرى، رغم بعض التفاصيل التي دفعتها الى الدخول في صفقة تبادل للأسرى، فتلك كانت محطة "توقف" لا أكثر في تفاصيل الحرب العدوانية التدميرية التي شنتها على قطاع غزة، وكان الأمر ليس إلا محاولة امتصاص لغضب الشارع الإسرائيلي الذي ضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لإعادة الأسرى.

وفي المشهد، فقد دخلت جوانب أخرى على الحرب، ولم نأتِ على ذكرها حين ذاك، ليس لأنها لم تكن في حسابات السيناريو الأول، بل لأن التركيز أساساً على غزة، وكل ما تبقى من تفاصيل أخرى، تبقى جانبية، فهدف إسرائيل أولاً وأخيراً إنهاء وجود حماس في القطاع بأي ثمن كان، وهذا الهدف يستدعي ولا شك، التعامل "اللحظي" مع داعمي الحركة، وحين كان حزب الله وإيران، وحتى الحوثيين، من أهم من دخل على خط الحرب، فلا بد إذن من التعامل معهم، فكانت المحطة الأكثر "صخباً"، هي اغتيال القائد الحمساوي اسماعيل هنية في قلب طهران، وهنا زادت تحديات الحرب، بل وسخونتها، فكان الرد الإيراني "الصاروخي" الأول والثاني انتقاماً لاغتيال كثير من قادة إيران، وكذلك اغتيال زعيم حزب الله حسن نصرالله، وانتقاماً لاغتيال هنية، وذلك الرد لم يؤذِ دولة الاحتلال "لوجستياً" بقدر ما خلط أوراقها وأهانها، فرد إيران يعني أن أهم وكلائها، وهو حزب الله اللبناني، لن يقف مكتوف الأيدي في حال حاولت دولة الاحتلال إيذاء إيران، وهذا ما كان، فرد إسرائيل جاء عبر اقتناص أهم قادة إيران، والحزب معاً، فضلاً عن تفجيرات البيجر وأجهزة اللاسلكي التي "كشفت" بأن حرب الجواسيس كانت لصالح كفة دولة الاحتلال، فاشتعلت بعد ذلك الحرب الكبرى في لبنان، وفي الوقت عينه، اشتعال "حرب البحر الأحمر" لكن بيد "وكلاء إسرائيل" لا سيما أميركا وبريطانيا.

المشهد إذن يستدعي "قراءة مكملة"، وليست "معزولة" عن السيناريو الأول، وهنا وجب التوقف عند بعض التفاصيل المهمة للإجابة على السؤال الأهم : هل نحن ذاهبون بحق إلى حرب إقليمية؟

الجواب ببساطة هو "لا".

وأما السبب، فإن ذلك يعود لعدة عوامل، أولاً : حتى الداخل الفلسطيني، فهو لا يقاتل بِكُلّه رغم توسع نطاق العدوان الى الضفة الغربية، فمن يقاتل بالفعل على الأرض هما فصيلان إثنان فقط، حماس والجهاد الإسلامي، وأما باقي الفصائل، فإن كثيرين منها اختلفوا، بل حَمّلوا حماس مسؤولية ما آلت إليه الأمور و"تدمير غزة" على أرضية أن الحركة قامت بعملية السابع من أكتوبر دون العودة الى باقي الفصائل، وإلى منظمة التحرير الفلسطينية التي هي جزء منها، كما أن السلطة الوطنية الفلسطينية وجدت نفسها، كما حال الكثير من الدول العربية، وحتى باقي دول العالم، فاقتصر دورها على المطالبة بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب، وعلى تحميل الاحتلال مسؤولية الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، وكأنها، وعلى استحياء لا سيما من الشارع العربي، بل والعالمي، لا تريد أن تحمل حماس، وبشكل مباشر، مسؤولية الحرب، وإذا ما راقب أي كان الخطاب الإعلامي لرجالات السلطة، فإنه يلمس ذلك بشكل واقعي، فهناك من يقول إن حماس هي "سرطان" القضية الفلسطينة، وأنها من انقلبت على الشرعية الفلسطينية في العام 2007 عندما "اختفطت" القطاع بعد رفض الانصياع لأساسات العملية الديمقراطية ورفضها التنازل عن "رئاسة الحكومة" التي كان يتزعمها المرحوم اسماعيل هنية.

وأما في لبنان، فإن المشهد لا يختلف كثيراً، بل أنه نسخة "كربون" عن الشأن الفلسطيني، فمن يقاتل هو الحزب فقط وليس كل لبنان، ولا بد أن الجميع راقب وسمع كثير من السياسيين اللبنانيين وهم يطالبون الحزب بتسليم السلاح للدولة، حتى مع اندلاع الحرب، وهناك من قال علناً بأن هذه فرصة يجب انتهازها للخلاص من الحزب نهائياً، وإلى الأبد!
وفي العراق أيضاً، فالحال هو ذات الحال، فليس العراق "الدولة" هو من وحّد الساحة مع غزة، وليس هو من يطلق الصواريخ، بل هو فصيل "المقاومة الإسلامية"، والقريب في الأساس من طهران، دبنياً وأيديولوجياً.
وأما إيران، فإنها عملياً، وعسكرياً، تقاتل إسرائيل من خلال حزب الله، وأما على الصعيد الدولي، فهي وحيدة في الحرب لا سيما وأن الداعم "المحتمل" الأساسي لها، وهي روسيا"، منشغلة في حرب أوكرانيا التي ما تزال تزيد من إنهاكها بحكم الدعم الأميركي والغربي الكبير للأوكران، فتلك ليست معركة أوكرانيا مع روسيا بقدر ما هي معركة "الغرب" مع الروس، وعليه فإن موسكو غير قادرة، أو لربما غير مكترثة أن تخوض حرب "إيران"، ولربما كان هذا واضحاً من انكفائها عن الدعم الكبير الذي قدمته لحليفتها الأولى في المنطقة، وهي سوريا، وتراجع دورها "العسكري" هناك.

ومع ثبات عدم الرغبة "عربياُ، بدخول الحرب، فإن السيناريو المهم الآن يشي بأننا لسنا أمام حرب إقليمية، واقتصارها على وصفٍ، لربما يكون أكثر دقة، بأنها حرب "فصائلية" مع دولة الاحتلال، ولن تكون هناك حرب إقليمية رغم دخول إيران على الخط، فالحرب بينها وبين إسرائيل ستقتصرعلى الرد والرد المقابل، وربما ستنتهي بتفاهمات كبيرة مع وضع ملفات مهمة على الطاولة ليس أقلها البرنامج النووي والعقوبات الاقتصادية، وقبول إيران في المنظومة الدولية بشكل أوسع مما هي عليه الآن، ويبقى الشيئ الوحيد الذي يُعؤّل عليه هو صمود المقاومة في غزة، وحتى في لبنان، لتغيير المعادلة العسكرية على الأرض، فهذا هو الشيئ الوحيد الواقعي والذي لا يمكن أن يحتمل الكثير من "التحليل" بقدر ما يحتمل الدعاء بأن يكون الله مع الأهل في غزة، ومع الأهل في لبنان، وهم الذين يدفعون الثمن الأغلى لتقاعص العالم عن حق الفلسطينيين بالخلاص من نير الاحتلال الرابض على صدورهم منذ عشرات السنين.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير