أ.د. حسن عبدالله الدعجه يكتب: توقعات وتحديات نسبة المشاركة في انتخابات 2024
نبأ الأردن -
تعد الانتخابات النيابية الأردنية لعام 2024 حدثًا سياسيًا مهمًا يعكس مرحلة جديدة في مسار الديمقراطية والإصلاح السياسي في المملكة. تأتي هذه الانتخابات في ظل سياق داخلي وإقليمي معقد، مما يفرض تحديات متزايدة على مستوى نسبة المشاركة وتأثير العوامل الخارجية. من بين العوامل المؤثرة داخليًا هو الوعي السياسي لدى الناخبين، حيث لا يزال هناك تفاوت في إدراك دور الانتخابات وأهمية المشاركة فيها. على الرغم من الإصلاحات الانتخابية التي شهدتها البلاد، يبقى التحدي الأكبر هو تعزيز الثقة في العملية الانتخابية وقدرة البرلمان على إحداث تغييرات ملموسة تحسن من الأوضاع المعيشية.
الأوضاع الاقتصادية المتردية تلقي بظلالها على الانتخابات المقبلة، حيث يعاني المواطن الأردني من تحديات البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة. هذا الوضع قد يؤدي إلى عزوف شريحة كبيرة من الناخبين عن المشاركة، لعدم ثقتهم في أن البرلمان المقبل سيكون قادرًا على تقديم حلول للأزمات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف متزايدة من تأثير المال السياسي والعشائرية في العملية الانتخابية، وهو ما قد يؤدي إلى إضعاف ثقة الجمهور في نزاهة الانتخابات.
على الجانب الآخر، لا يمكن إغفال التأثير الخارجي على الانتخابات. تأتي الانتخابات النيابية الأردنية في ظل أوضاع إقليمية متوترة، خاصة مع استمرار الأزمات في سوريا والعراق والحرب في غزة، مما يزيد من أهمية الاستقرار الداخلي بالنسبة للناخبين. هذه الأزمات قد تؤثر بشكل غير مباشر على توجيه أصوات الناخبين، حيث يميل الكثيرون إلى البحث عن الاستقرار السياسي والاجتماعي في ظل هذه الظروف. كما أن هناك احتمالًا لتدخلات خارجية من قوى إقليمية أو دولية، سواء عبر دعم بعض الأحزاب أو التأثير على الناخبين من خلال وسائل الإعلام.
بناءً على العوامل الداخلية والخارجية، من المتوقع أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية الأردنية لعام 2024 معتدلة إلى منخفضة، حيث تشير التقديرات إلى أن نسبة المشاركة قد تتراوح بين 35% إلى 45%. هذا التقدير يستند إلى مجموعة من المؤشرات المرتبطة بالتحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
أحد المؤشرات الأساسية هو الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعاني منها الأردنيون، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة وزيادة تكاليف المعيشة. تشير الدراسات إلى أن الحالة الاقتصادية العامة تؤثر بشكل مباشر على رغبة الناخبين في المشاركة، إذ يشعر العديد من المواطنين بالإحباط من قدرة البرلمان على معالجة هذه القضايا، مما يؤدي إلى تراجع الحافز للتصويت.
إلى جانب ذلك، يلعب مستوى الثقة في المؤسسات الحكومية دورًا هامًا في تحديد نسبة المشاركة. التحديات المستمرة المتعلقة بالشفافية والعدالة في العملية الانتخابية تجعل بعض الناخبين يشككون في قدرة البرلمان على إحداث تغيير حقيقي، مما يؤدي إلى انخفاض نسبة المشاركة.
أحد المؤشرات البارزة هو تزايد الإحباط من الأداء البرلماني الحالي، حيث يشعر العديد من المواطنين بأن البرلمانات السابقة لم تقدم حلولًا ملموسة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجههم. قد يؤدي هذا الشعور إلى فقدان الثقة في قدرة البرلمان الجديد على إحداث فرق حقيقي، ما يثني الناخبين عن المشاركة.
علاوة على ذلك، تزايد تأثير الإعلام الاجتماعي في تشكيل الرأي العام يلعب دورًا في تخفيض الحماس للمشاركة. مع انتشار الانتقادات الواسعة على منصات التواصل الاجتماعي حول العملية الانتخابية، فيجد العديد من المواطنين أنفسهم محاصرين في بيئة من الشكوك واللامبالاة.
كما أن التأثيرات الاجتماعية مثل قوة العشائرية ووجود المال السياسي يؤثران على قرار الناخبين. في المناطق التي تسيطر فيها العشائر أو يتفشى فيها المال السياسي، قد يشعر المواطنون أن نتائج الانتخابات محسومة مسبقًا، مما يؤدي إلى عزوفهم عن المشاركة.
تعتبر هذه المؤشرات مزيجًا معقدًا من العوامل الداخلية التي تعكس التحديات المستمرة التي تواجه العملية الانتخابية في الأردن، وتساهم في رسم ملامح المشاركة المحتملة في الانتخابات المقبلة.
وبالرغم من الإصلاحات الانتخابية التي تم إدخالها لتعزيز دور الأحزاب السياسية في الأردن، تشير التوقعات الأكثر تحفظًا إلى أن نسبة فوز الأحزاب بمقاعد خارج الكوتة الحزبية قد تتراوح بين 15% إلى 20%. يعود ذلك إلى عدة عوامل تجعل تحقيق الأحزاب لتقدم أكبر أمرًا صعبًا في الانتخابات المقبلة.
أحد العوامل الأساسية هو استمرار هيمنة العشائرية في العديد من المناطق، حيث تظل الولاءات العائلية والعشائرية تلعب دورًا أكبر من التصويت للأحزاب على أسس برامجية أو أيديولوجية. في هذه المناطق، يميل الناخبون إلى التصويت لمرشحيهم العشائريين بدلاً من ممثلي الأحزاب، مما يقلل من فرص الأحزاب في الفوز بمقاعد إضافية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال المال السياسي يشكل تحديًا كبيرًا أمام الأحزاب السياسية. بعض المرشحين المستقلين أو الذين يعتمدون على دعم مالي قوي يتمتعون بقدرة على التأثير على الناخبين بطرق غير تقليدية، مما يصعّب على الأحزاب التنافس في هذا المناخ. فالأحزاب السياسية، خاصة الجديدة أو الصغيرة، قد تواجه صعوبة في جمع الموارد المالية الكافية لإدارة حملات فعالة، ما يضعها في وضع أضعف مقارنة بالمرشحين المستقلين.
كما أن الضعف التنظيمي داخل بعض الأحزاب، وقلة الخبرة في إدارة الحملات الانتخابية في بيئة انتخابية تنافسية مثل الأردن، يمثل عقبة أخرى تقلل من قدرتها على تحقيق نتائج بارزة. بناءً على هذه العوامل، من المتوقع أن يظل تأثير الأحزاب محدودًا نسبيًا في الانتخابات المقبلة، ما قد ينعكس سلبًا على نسبة فوزها بمقاعد خارج الكوتة الحزبية.
كما أن ضعف التنظيم الداخلي لبعض الأحزاب وقلة الموارد المالية يشكلان عقبة أخرى تعيق قدرتها على إدارة حملات انتخابية فعالة. هذه التحديات قد تقلل من فرص الأحزاب في الفوز بمقاعد إضافية خارج الكوتة الحزبية.
اخيرا: تشكل الانتخابات النيابية الأردنية لعام 2024 اختبارًا حقيقيًا لمسار الإصلاح السياسي في البلاد. وعلى الرغم من التحديات الداخلية والخارجية، إلا أن هناك فرصًا للأحزاب السياسية لتحقيق تقدم ملحوظ. يبقى مستوى الوعي السياسي ونسبة المشاركة عوامل حاسمة في تحديد ملامح البرلمان الجديد، في وقت تتطلع فيه البلاد إلى تحقيق توازن بين الاستقرار الداخلي والمشاركة الشعبية الفعالة.أ.د. حسن عبدالله الدعجه
استاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال