عودة الحياة النيابية في الأردن 1989- الأسباب والنتائج والأصداء المحلية والإقليمية والدولية

{title}
نبأ الأردن -
  دراسة وثائقية- الحلقة الأولى - بحث وإعداد: د. أحمد زياد أبو غنيمة
*******
عناوين رئيسية في الحلقة الأولى:
- رئيس وزراء سابق تنبأ باحداث نيسان ١٩٨٩ قبل عام من حدوثها.
- " لنفتح الطنجرة ونرى ما فيها".
- " كلهم 17 سائق، والامن سيوقفهم ".
- هل كانت احداث جامعة اليرموك (1986) الشرارة لاحداث نيسان 1989 ؟!
- ناقوس الخطر الذي أفرزته نتائج انتخابات 1989 على صناعة القرار في الأردن.
*******
تمهيد ومقدّمة:
كان عودة الحياة الديمقراطية في الأردن في العام 1989، حدثاً مفصليا في تاريخ المملكة، فقد كانت الأحكام العرفية سيدة الموقف في السنوات التي تلت نكسة حزيران 1967 وما نتج عنها من خسارة الأردن لأراضي اردنية في الضفة الغربية التي كانت استناداً للدستور الأردني في العام 1952 ووحدة الضفتين في العام 1950 أراضي تتبع المملكة الأردنية الهاشمية التي نالت استقلالها عام 1946.
******
تميزت السنوات السابقة لعودة الحياة الديقراطية في العام 1989، بأجواء سياسية قاتمة، تمثلت في التضييق الذي مارسته حكومة زيد الرفاعي (1985-1989) على الحياة السياسية الأردنية بكافة مكوناتها الحزبية والنقابية والسياسية والثقافية والإقتصادية والجامعية، ناهيك عن الممارسات العُرفية التي تميزت فيها تلك الفترة، من تضييق واعتقالات للمعارضين لسياسات الحكومة.
******
ذكر رئيس الوزراء السابق مضر بدران في مذكراته " القرار " ( بدران ، مضر ،القرار، 2020)، انه تنبأ بأحداث نيسان 1989 قبل حدوثها بعام، جاء في مذكراته وهو يتحدث عن الفترة التي سبقت احداث نيسان 1989 وقد كان عضوا في مجلس الأعيان " على خلاف ما تم الاتفاق عليه بيننا وبين العراق، تجاوزت حكومة الرفاعي سقف الدين العراقي لتصل إلى 400 مليون من دون كفالة بنك أجنبي، هذا الامر فاجأني بشدة، فموجودات البنك المركزي من العملة الأجنبية كانت 900 مليون فقط، إن ذهب منها للعراق 400 مليون فهذا يعني أنني على وشك الإفلاس". وقال السيد بدران أنه نقل الامر للشريف زيد بن شاكر وكان قائدا عاما للقوات المسلحة، فقال له بالنص حرفيا كما ورد في مذكراته " والله العظيم يا أبو شاكر، في شباط القادم، إلا الدولار يصير بنصف دينار اردني"، وذكر بدران أن " سياسات الحكومة الاقتصادية التي كانت تنذر بوقوع الأزمة كالتوسع في الإنفاق الذي زاد العجز ورفع المديونية".
******
لقد اوجدت حكومة الرفاعي أجواء احتقان وغضب غير مسبوقة في الشارع الأردني بكافة مكوناته، نتج عنه في نهاية المطاف احداث نيسان عام 1989 التي كانت المفتاح لأن تراجع الدولة سياساتها في تلك الفترة وتسير بخطوات نحو الإنفراج تمثل في إقالة حكومة الرفاعي والدعوة لعقد انتخابات نيابية كاملة وليست تكميلية كما كانت في عام 1984. ( أبو غنيمة، احمد، ملامح الحياة السياسية في الأردن، 1998)
******
وجاء القرار بإجراء الانتخابات – كما سيتم تفصيله في حلقات قادمة – في اجتماع عقده الملك الحسين مع أعضاء مجلس الاعيان في ذلك الوقت بعد ان قطع زيارته لامريكا لحل الازمة، والتي على ضوئها نم حل الحكومة وتكليف الأمناء العامين بتسيير أمور وزاراتهم لحين تكليف حكومة جديدة، ذكر مضر بدران عضو مجلس الاعيان حينذاك، انه قال للحسين، ان عليه " ان يفتح الطنجرة ويرى ما في داخلها" وهذا لن يأتي إلا عبر صناديق الانتخابات كما قال بدران، وكان رد زيد الرفاعي رئيس الوزراء - قبل إقالته - : أن النتائج ستاتي بالمعارضة"، ليرد عليه بدران " لو استمع بعض وزرائك لكلام المعارضة في موضوع الموازنة العامة لما وصلنا لهذه الحال من عدم الثقة والفوضى". ( بدران ، مضر ،القرار، 2020)
******
جاء في مذكرات الشريف زيد بن شاكر (الساطي، نوزاد، زيد بن شاكر من السلاح إلى الانفتاح، 2019)، كيف كانت ردة فعل زيد الرفاعي رئيس الوزراء وقت أحداث نيسان 1989، حين "همس مدير المخابرات العامة آنذاك طارق علاء الدين في اذن مروان القاسم وزير الخارجية، يبلغه بتجمهر سائقي الشاحنات في معان احتجاجاً على قرار حكومة الرفاعي رفع أسعار المشتقات النفطية من دون تعديل تعرفة النقل العام، انضم الرفاعي إلى مروان وطارق، وعندما سمع الحديث علق بالقول" إنهم مجرد 17 سائقاً سيلمهم ( يوقفهم ) الأمن".
******
لقد مثّلت عودة الحياة النيابية في الأردن في العام 1989 بصيص امل للمواطنين في التفاؤل بمستقبل زاهر للوطن بوجود مجلس نواب منتخب بحرية وبدون أي تلاعب من قبل السلطات الاردنية في ذلك الوقت، إضافة إلى وجود بارقة أمل بمحاسبة بعض المسؤولين الذين كانت لسياساتهم الأقتصادية إثار مدمرة على الاقتصاد الأردني وانعكاس ذلك سلبيا على حياة المواطنين.
******
لقد كان مجلس نواب 1989 مجلسا قويا لم تسمح السلطات بتكراره منذ الوقت، لما مثله من مجلس لامس هموم المواطن ومتاعب الحياة التي يمر بها نتيجة الظرف الإقتصادي الصعب الذي خلفته حكومة زيد الرفاعي ( 1985-1989 )، التي شهدت هبوط قيمة الدينار الأردني بدرجة قياسية في العام 1988 ، وما نتج عن تلك الحكومة من إجراءات قمعية تعسفية بدأت باحداث جامعة اليرموك المؤسفة ( 1986 ) التي ذهب ضحيتها عدد من طلاب الجامعة- بعد ان اصدرت الحكومة اوامرها باقتحامها لفض الاعتصام الطلابي الذي كان ينادي بحقوق الطلاب ومطالبهم الجامعية بعيداً عن أية مطالب سياسية- ، ثم جاءت أحداث نيسان 1989 في عهد حكومة الرفاعي نتيجة مطالب حياتية بحتة، طالب فيها بعض السائقين بإنصافهم من الحكومة التي رفعت أسعار المحروقات ولم تقم بتعديل اجور النقل، فلم تحسن الدولة التعامل مع هذه المطالب الحياتيةـ لتتوسع الاحتجاجات أكثر وأكثر. بدأت هبة نيسان بمطالب شعبية واقتصادية وانتهت بتحقيق انجازات سياسية تمثلت بإقالة حكومة الرفاعي وإجراء انتخابات نيابية شهد المراقبون بنزاهة إجراءاتها وعدم تدخل اجهزة الدولة في التلاعب بنتائجها كما جرت في انتخابات سابقة في تاريخ المملكة.
******
وعند التقييم الموضوعي لما تلا عودة الحياة الديمقراطية في العام 1989، نجد أن الدولة قبلت على مضض نتائج تلك الإنتخابات التي قلبت الطاولة على عقب لكل توقعات أجهزة الدولة وتحليلاتها التي لم تكن في احسن الاحوال تتوقع فوز اكثر من 12 مرشحاً من الحركة الإسلامية وعدد محدود من المعارضين العقائديين اليساريين والقوميين والشيوعيين، لقد جاءت نتائج الانتخابات النيابية بالفوز الكبير للحركة الإسلامية بشكل خاص وبقية أطياف المعارضة من اسلاميين مستقلين وقوميين ويساريين بمثابة الصدمة للدولة بكافة مكوناتها وأجهزتها الرسمية إضافة للدول الغربية التي تفاجأت بهذه النتائج أيضا.
******
وبدا واضحا أن الدولة بدأت منذ اعلان نتائج الانتخابات، بوضع خطة مستقبلية تضمن عدم تكرار مثل هذه الصدمات القاسية للدولة وأجهزتها الامنية والسياسية ولكثير من الانظمة العربية وللدول الغربية ، وهو ما تم على مراحل فيما بعد، بدأت بالحملات الإعلامية المنظمة ضد الحركة الاسلامية منذ إعلان فوزها، مروراً بقانون الصوت الواحد في انتخابات 1993 ووصولا إلى إفراغ المجالس النيابية المتعاقبة بعد مجلس 1989 من أي إنجاز حقيقي ملموس يشعر به المواطن، فقد تحولت معظم تلك المجالس إلى ادوات للدولة لبسط سيطرتها ونفوذها تنفيذيا وتشريعيا على كافة مناحي حياة المواطنين السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
******
حاولت في هذه الدراسة، تصوير الاحداث التي سبقت عودة الحياة الديمقراطية، ومجريات أول انتخابات نيابية بعد احتلال الضفة الغربية، وأبرز نتائج تلك الانتخابات وما تمخض عنها قوانين وانظمة لتنظيم الحياة السياسية والحزبية في الأردن.
******
كما تم التطرق إلى تناول وسائل الإعلام الأردنية والعربية والاجنبية لمجريات تلك الانتخابات وصولا إلى نتائجها، وما كان واضحا من التناول السلبي لكثير من الكتاب والمحللين لتلك الانتخابات ونتائجها بما برز في كثير من منها تحريض سافر ضد من فازوا بتلك الانتخابات على غير توقعاتهم.
******
( يتبع الحلقة الثانية من الدراسة الوثائقية:
- "المحاولة الانقلابية" عام 1957؛ وتأثيرها في صناعة القرار السياسي الأردني حتى عام ١٩٨٩.
- الاحزاب السياسية حتى العام 1989
*******
( ملاحظة: سيتم ذكر المصادر والمراجع في الحقلة الأخيرة من الدراسة لمزيد من الإطلاع لمن أراد الاستزادة )
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير