د. ماجد الخواجا يكتب: قراءة في كتاب حرب المئة عام على فلسطين

{title}
نبأ الأردن -
صدر كتاب حرب المئة عام على فلسطين: قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة 1917-2017 للكاتب الباحث رشيد الخالدي والصادر عن الدار العربية ناشرون في بيروت عام 2021، في هذا الكتاب يتحدث الكاتب عن قرن من الزمان جرت فيه ستة حروب لإخضاع الفلسطينيين وانتزاع وطنهم بالقوة والقسر والإكراه الجبري.
تمتد تلك الحروب الكبرى من وعد بلفور في نوفمبر 1917 إلى 2017. وتختلف كل واحدة منها عن سابقاتها في الأسلوب وإن اتفقت معها في الهدف. فـإعلان الحرب الأولى «تمتدّ من 1917 إلى 1939 أي من وعد بلفور الذي يمنح فلسطين لليهود لتكون وطنهم القومي ومن بداية تنفيذه ميدانيا، حتى القضاء على الثورة الفلسطينية الأولى فجر الحرب العالمية الثانية. وقوام هذه الفترة تحالف ثلاثي بين رأس المال الذي كان يموّل الهجرات اليهودية من أوروبا الشرقية خاصّة والتواطؤ البريطاني مع الحركة الصهيونية والعمل الصهيوني من مستوى العسكري والقانوني والدعائي. أما عاما النكبة (1947-1948) فمثّلا «إعلان الحرب الثانية». وفيها تسطو بريطانيا على دولة بأسرها وتسلّمها بكل مؤسساتها إلى العصابات الصهيونية. ويعرض الخالدي تبعاتها اللاحقة على المستوى الفلسطيني والعربي ومنها حرب السويس 1956.
لقد كانت الحركة الصهيونية عنصرية منذ نشأتها. ولكن هذا البعد ظل ممارسة ميدانية. فإعلان استقلال إسرائيل سنة 1948 ينصّ على «المساواة التّامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بعض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس». أما اليوم فقد انتقل البعد العنصري من الممارسة المقنّعة إلى الدسترة.
ويخص الباحث سنة 1967 بـإعلان الحرب الثالثة. ولا شكّ أنها ستمثّل مفارقة. فقد استقر في الأذهان العربية أنّ تحرير فلسطين كان على مرمى حجر عندها وأنّ تقصيرا ما حدث في الجبهة المصرية حال دون ذلك. وعلى مرارة هذه القناعة تظل مطمئنة. فخلاصة تقديرها هنا أنّ الخلل الذي حدث على صلة، بلا شكّ، بأفراد خذلوا المجموعة أو بثغرة جدّت لسوء تصرّف، ولا يتعلّق الأمر بانهيار في المنظومة الدفاعية العربية بأسرها إذن. غير أنّ الأثر يقدّم لنا زاوية أخرى تفضح البعد العاطفي في هذا التّصور. فالتقارير الاستخباراتية الأمريكية كانت تتوقع نصرا ساحقا لدولة الاحتلال لتفوق قوتها العسكرية على كافة الجيوش العربية مجتمعة، وما كُشف من هذه التقارير لاحقا يؤكّد أن الولايات المتحدة كانت ستدمّر القوات العربية بنفسها إذا ما آل الأمر إلى غير ما توقعته.
وكانت سنة 1982 تاريخا لإعلان الحرب الرابعة. ويتوقّف الكتاب عند تاريخ مجزرة صبرا وشاتيلا وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان نحو تونس، مبرزا أنّ القادة اللبنانيين أو الفلسطينيين قد دفعوا وحدهم ثمن انخراطهم في تلك الصدامات. فقد اغتيل بشير الجميل ومساعده العسكري إيلي حبيقة وآخرون كثر وسجن سمير جعجع لـ11 سنة واغتيل من الجانب الفلسطيني أبو جهاد وأبو إياد وأبو عمار لاحقا في ظروف مختلفة. وبالمقابل لم يحاسب أحد من الصهاينة أو الأمريكان المتواطئين معهم.
ثم جاءت الانتفاضة الأولى التي مثّلت إعلان الحرب الخامسة وامتدت من 1987 إلى 1995. فجعلت الصهاينة يوقنون عسرَ فرض احتلالهم بقوات عسكرية في مراكز كثيفة السكان وضرورةَ استدراج الفلسطينيين إلى سلام موهوم وتوريطهم في مهمة الحفاظ على الامتيازات الإسرائيلية. فكان الشرخ الكبير في الجسد الفلسطيني الذي تولّد عنه إعلان الحرب السادسة الممتدّ بين 2000 و 2014.
لقد خلقت دولة الكيان الاستيطاني أساطيرها المبرّرة لاستمرارها من المرجعيات التوراتية ورسّختها في العقول، خاصّة في الولايات المتحدة الأمريكية المغمورة في البروتستانتية الإنجيلية والمتورطة في الاستيلاء على أراضي الهنود الحمر على نحو لا يقل فظاظة وفظاعة عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين. وتجعل هذه الأساطير من القادمين الجدد إلى فلسطين سكانا محليين ومالكين تاريخيين للأرض التي يستعمرونها فيما تجعل من السّكان الأصليين في فلسطين طارئين استثنائيين ومؤقتين.
إن القتال العنيد الذي يقوم به الفلسطينيون ضد تهجيرهم أفشل المخطط الصهيوني. فبعد قرن من الحرب عليهم وعلى الرغم من قوة دولة الاحتلال وأسلحتها النووية وتحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية ورغم الخذلان فإن الدولة اليهودية متنازع عليها اليوم مثلما كان وضعها منذ إعلان قيامها.
وجاءت معركة طوفان الأقصى التي جدّت بعد تأليف الكتاب لتوجد حالة ووضعا فلسطينيا جديدا.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير