د. ماجد الخواجا يكتب: كبرت المخيمات ولم تصغر أبداً فلسطين

{title}
نبأ الأردن -
القضية الفلسطينية بالأساس هي جريمة ضد الإنسانية ..حينما كنت صغيرا كان هناك تساؤلا مريرا أطرحه على والدي: لماذا هربتم ؟كان يغضب ويصرخ محتدا: لم يكن هروبا أبداً.. كان طرداً ونفياً وتشريداً.. كنا شعب وادع مسالم بسيط.. نفرح لأصغر الأشياء وننتظر المواسم للزراعة.. للزواج.. لقطف الثمار.. للحصاد.. للأعياد.. إن طردنا كان أحد خيارين لاثالث لهما: إما بالخروج والسير للأمام دون أي نظرة للخلف.. وإما برصاصة تنهي حياة من يجرؤ على المقاومة.. أو مجرد الالتفات للخلف..
لقد كان طردا منظما مخططا له.. كان جماعيا قسريا سريعا وبإتجاه واحد محدد.. لم يتح لنا مجرد التفكير في المقاومة.. ولم تكن متوفرة أمامنا أية إمكانيات لمثل تلك المقاومة..
شعب أعزل في مواجهة أعتى ما أنتجته صناعة السلاح حينها.. والذي كان بيد من لايرحمنا، بل لايعترف بآدميتنا.. وقال لي حينها: عندما تكبر سأقول لك كل الحكاية.. كبرت لكنني فقدت والدي قبل إتمام الحكاية...
هل باع الفلسطينيون أرضهم ؟
إن اليهود لم يتمكنوا من الإستحواذ على أكثر من 6% من مساحة فلسطين بما يساوي 1681كم في نهاية عام 1947.. وقد تم شراؤها من كبار الملاكين الغائبين غير الفلسطينيين ومن بعض كبار الملاكين الفلسطينيين والمؤسسات الأجنبية.. وأما الفلاحين المرهقين ضريبيا وطبقيا فكان نسبة ما باعوه أقل من 1%.. إن عمليات التهجير بدأت قبل إعلان دولة إسرائيل بربع قرن وذلك عندما قامت عائلة سرسق اللبنانية ببيع ممتلكاتها في 22 قرية في سهل مرج بني عامر مما أدى لتشريد 8000 فلاح فلسطيني.. وفي عام 1937 أوصت لجنة ( بيل ) بالتهجير.. وإن مفهوم الترانسفير ظهر ضمن مشروع (روزفلت) الذي إقترح نقل السكان العرب خارج فلسطين ومتمنيا ألايبقى عربي واحد فيها حتى لو إستدعى الأمر تسييج البلاد..
هكذا بدأت حكاية اللجوء.. لم يبتعد المشردون كثيرا.. لقد ذهب البعض على بعد أميال قليلة بإنتظار توقف القتال والعودة.. وتوقف القتال ولم يعودوا.. لقد بدأ لجوء يتبعه لجوء.. تتساقط في كل مرة بعض المتاع التي أمكن حملها.. ويتساقط الرجال.. لكن بقي الجميع يحتفظون بمفاتيح بيوتهم المربوطة بخيط معلق في الرقاب أو على الأحزمة.. لم يكن أي لاجئ يعتقد أنها تذكرة بإتجاه واحد.. لقد أصبح الفلسطينيون أمة هائمة لامقر لها ولاوطن.. نكبة لازال يدفع ثمنها أكثر من خمسة ملايين لاجئ ونازح داخل وخارج فلسطين.. إنها إبادة جغرافية كادت ترافقها إبادة بشرية جماعية.. فالأرض تم مسحها وأزيلت قرى بكاملها من الوجود.. إن مستوطنة ( بتاح تكفا ) أنجبت آلاف المستوطنات.. إن عتبة الأمل الصهيوني كانت عتبة الشتات الفلسطيني..
إن التحليل لطبيعة اللجوء والتشريد الفلسطيني يستخلص منه الآتي: إنهم لم يبيعوا أرضهم طوال فترة الإنتداب ولغاية إعلان قيام كيان إسرائيل. إنهم لم يهربوا ولم يكن خروجهم طوعيا.. بل جاء نتيجة المجازر والأساليب الوحشية والإعلام المدروس والموجه بهدف ترويع الفلسطينيين وتهجيرهم قسريا..
هذا الخروج بدون إعتبار لطواعيته أو قسريته.. لايسلب حقوق اللاجئين ولا يمنح مكاسب للمعتدي المغتصب..لم يبتعد اللاجئون كثيرا عن مدنهم وقراهم المحتلة وإن تعددت مرات وأماكن اللجوء.
لقد بقيت الخيم منصوبة لأجيال كدليل على الوجود المؤقت..لم يخير اللاجئون في أماكن اللجوء ولا في القرارات التي فرضت عليهم. إن المستوى الحضاري للفلسطيني عند النكبة كان يضاهي بل ويتفوق على مستوى العديد من الدول المضيفة للاجئين..لم يكونوا عبئا على المضيفين بقدر ما ساهموا في شتى مناحي النمو والتطور..أخيراً: إن فكرة العودة هي الهاجس المشترك لأي فلسطيني.. وهي تعتبر إحدى المقدسات التي يورثها الآباء للأبناء جيلا فجيلا..صباحك ومساؤك أيتها الحبيبة.. صباحك ومساؤك أيتها السليبة.. عمت حنينا وكرامة أيتها البهية الندية.. 76 سنة وما زالت المفاتيح.. ما زالت فلسطين.. ما زال المخيم.. ما زالت ذاكرة اللجوء.. وما زلنا.. صباح ومساء فلسطين..
إن مستوطنة ( بتاح تكفا ) أنجبت آلاف المستوطنات.. إن عتبة الأمل الصهيوني كانت عتبة الشتات الفلسطيني..
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير