وائل منسي يكتب: نحو خارطة طريق للأحزاب الأردنية خالية من المناكفات والتجاذبات

{title}
نبأ الأردن -
الذي يرى المشهد السياسي والحزبي والتحديات التي تمر بها الدولة الأردنية والظروف الموضوعية التي أدت لضرورة دخول الأردن بمئويته الثانية، بأساليب وأدوات وروافع سياسية واقتصادية وإدارية واجتماعية حديثة، والتخلص تدريجيا من العقلية القديمة والبالية من مقاربات سياسية وأمنية، والقناعة الراسخة لدى مطبخ القرار أن الاستمرار بالنهج القديم يؤدي إلى نتائج كارثية على المجتمع والدولة.
وعمادها تعزيز قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتضامن والحريات السياسية وحرية الرأي والتعبير.

و عمادها أيضا سيادة القانون وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية والتحول الرقمي، والاهتمام بجودة التعليم ومخرجاته، والارتقاء بالرعاية الصحية الأولية وجودة الخدمات الصحية، وتحسين منظومة النقل، والاهتمام بجودة البنية التحتية بمعناها التقليدي من مياه وشوارع وكهرباء وصرف صحي، وبمعناها الحديث من بنية تقنية تكنولوجية وإدخال الجيل الخامس وقريبا السادس.

وبالنظر إلى التحديات والمشكلات التي يواجهها الأردن من معاناة اقتصادية وانخفاض معدلات النمو وارتفاع نسب الفائدة والتضخم وزيادة معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية، والتشوه الضريبي، وتأثير هذه العوامل على الأمن القومي الأردني، إضافة إلى الخطر الصهيوني العنصري والديني المتطرف في أسوأ وأخطر حكومة في تاريخ الكيان الاسرائيلي، والذي لا يعترف بوجود شعب على أرض فلسطين، وينتهك كل بوم حقوق الشعب الفلسطيني ويمارس بقسوة الفصل العنصري، وينتهك يوميا الوصاية الأردنية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، ويريد منذ مائة عام ضم الأردن وأجزاء من السعودية وسوريا إلى الحظيرة الصهيونية وصولا إلى ما بين النيل والفرات كمملكة اسرائيل الكبرى.

وفي ظل هذا المشهد والإطار العام وتشخيصه وتحليله فإنه نستنتج أن الدولة تواجه تحديات حقيقية خطيرة، وهناك مسارين ونهجين على الدولة الاختيار بينهما: منهج العسكرة والمقاربات الامنية وتعزيز وتشديد قبضة الأمن وتقييد الحريات وإعادة فرض الأحكام العرفية "وهذا السيناريو لا يقبله النظام ولا المجتمع" ، وبين السير بالاصلاحات السياسية والاقتصادية والادارية وتوسيع المشاركة السياسية والانتقال الآمن والسلس للتحول الديمقراطي الكامل اعتمادا على فصل السلطات ووجود بيئة ملائمة لحياة ديمقراطية قوامها أحزاب فاعلة مستقبلا، ذات هويات وتيارات واضحة وقوية تتنافس فيما بينها على أسس برامجية ولها قواعد اجتماعية وجماهيرية فاعلة وحيوية تتفاعل مع هذه الأحزاب وبرامجها، وهذا يتطلب وقتا وجهدا ومنهجية واستراتيجية تعتمد على دراسات وأبحاث عميقة وفهم صحيح للإطار العام والخاص لعملية التحول ومراحلها وخارطة طريق سياسية ةاقتصادية واجتماعية للوصول إلى الهدف المنشود.

فكيف لمسؤولين سابقين ولوبيات اقتصادية – ولا أعمم - ساهمت في تشويه إقتصادنا وساهمت في تراجع منظومتنا القيمية والاجتماعية ، وساهمت بمأسسة الفساد، و غياب العدالة ، وانعدام الحريات وقمعها، وممارسة الغطرسة، واستخدام أساليب التجبر والقسوة وإظهار القوة والعنف لتكميم الأفواه، وتجفيف مداد الأقلام، وحبس حرية أصحاب الفكر المعارض، وامتهان كرامة الإنسان ، وساهمت في تراجع وانهيار التعليم ، وتراجع الخدمات الصحية، والعدالة الانتقائية، وغياب التنمية، وانتشار الفقر والغلاء وتراجع الإقتصاد وزيادة الدين الداخلي والخارجي. وكيف لهؤلاء (ولا أعمم مرة أخرى) أن يعود الحرس القديم بثوب ملائكي جديد.
فكيف لنا أن نثق بهؤلاء السياسيين الطارئين؟ وكيف لهم أن يتبوؤا في المستقبل القريب مناصب قيادية في الأحزاب.

فلذلك وفي الوقت نفسه على الدولة أن تفكر جديا بوضع حدود منظمة لتدخل مراكز القوى وقوى الشد العكسي وتعيد ترتيب وهيكلة هذه القوى والمراكز، حتى لا تربك خطط الدولة وبرامجها وحتى لا ترسل رسائل عكسية للمجتمع، وايضا يجب أن تعمل على توعيتها وإدماجها في أولويات الدولة ورؤيتها لعملية الإصلاح السياسي والإداري والإقتصادي، لانتقال سلس وآمن للوصول إلى ديمقراطية حقيقية كاملة.

ومن خلال الدراسات لمختلف المراكز البحثية واستطلاعات الرأي العام، عبر أعوام التي تقيس مستوى الثقة بمؤسسات الدولة والإعلام الرسمي وشبه الرسمي والمنظمات والهيئات ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب. وكانت النتيجة "غير المفاجئة" أن الأحزاب تقع في ذيل القائمة من حيث مستوى ودرجة الثقة، لأسباب كثيرة موضوعية وثقافية معروفة، لا داعي لذكرها هنا.
والوعي بأهمية ودور الأحزاب يحتاج جهدا ووقتا، وتبذل الجهات الرسمية والمؤسسات المعنية جهودا وبرامج متعددة وحملات إعلانية وإعلامية، بمرافقة حراكات حزبية ومجتمعية لتعزيز الوعي بهذا الاتجاه، ضمن تشريعات جديدة معززة، وإعادة ثقة المجتمع من جديد بالأحزاب، تبدأ من الجذور في المدارس والجامعات و مجالس الإدارة المحلية والبلديات، وفي كل المستويات.
لكن في نفس الوقت هناك ممارسات من بعض شخوص ورموز بعض الأحزاب تسير في عكس الاتجاه، مما يزيد في تعميق الفجوة بينها وبين المجتمع وانحدار درجة ومستوى الثقة بها.
ومنها مناكفات من قوى الشد العكسي المؤثرة في محيطها الاجتماعي، مع أحزاب أخرى وتحمل توجهات مختلفة، بخطاب غير مقبول وفيه تشويه مقصود لمفهوم العدالة الاجتماعية وسيادة القانون والتي يتبناها معظم الأحزاب لكن بوجهات نظر مختلفة، وهذا الرأي والانتقاد الموارب، علما أن الذي يحدد تجاوز هذه الأحزاب على الدستور والقوانين والنظام هو فقط الجهات الرسمية ممثلة بالهيئة المستقلة للانتخاب، وليس رأي شخص، وخاصة أنه من حزب منافس ، وليس وقته، ومبكرا جدا على المنافسة الشريفة والأخلاقية، فكيف بمنافسة غير نزهيهة تعتمد على الضرب تحت الحزام؟

والمفترض أن تبتعد هذه (النخب) عن هذه الممارسات لكي نعيد الثقة بالكيانات السياسية والحزبية المفقودة أصلا.

ومنطقيا والقناعة الراسخة بضرورة الإلتزام التام بالدستور، والذي ينص على في أحد نصوصه، أن الحكم نيابي ملكي وراثي، والجناح الأول هو النيابي وتم إضعافه عبر سنين طويلة، وبالتالي بالضرورة ضعف الجناح الآخر، فلا بد من تقوية الجناح النيابي وتعزيزه بالإصلاح السياسي، فيتعزز الجناح الآخر وهو الملكي الوراثي. وعماده وأساسه فصل السلطات.
ولكي نصل إلى بيئة سياسية آمنة خالية من التشوهات الاقتصادية والاجتماعية لأجل مستقبل بناتنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة.

وعودة للأحزاب الأردنية وضرورة وجود خارطة طريق لها، ومن خلال الاهتمام بالعمل السياسي والحزبي وأيضا من خلال العديد من ورش العمل والتدريب كمنظم ومهتم لتعزيز مشاركة الشباب والمرأة في الحياة السياسية، واطلاعي ومساهمتي في جزء من انجازات المؤسسات والمعاهد المتخصصة والتعاون مع مراكز الأبحاث والتخطيط الاستراتيجي ومراكز التفكير Think Tank، ومن خلال دراسات متخصصة لواقع الأحزاب عبر السنوات السابقة وآخرها نهاية العام الماضي.

فإني أجد أن معظم الأحزاب الحالية، تعاني من التحديات والمشكلات التالية وبشكل متفاوت، وتحتاج فعلا لخارطة طريق:

ويجب مواجهتها وايجاد الحلول العملية والخطط والبرامج والتدريب والتأهيل المستمر، لمعالجتها والتي تحتاج لوقت وجهد وفريق محترف مدرب ومسلح بالمعرفة والخبرة والمهارات، يحمل ويواجه هذه التحديات:

١. البناء الداخلي والتنظيم والهيكلة الهرمية والأفقية ثم الانتقال للاستقطاب وتوسيع النفوذ في المحافظات والفروع بشكل يحاكي تقسيم الدوائر الانتخابية " 18 دائرة انتخابية " وبناء هيكل تنظيمي يحاكي القيادة الرئيسية في المركز ومهماتها، لكل دائرة انتخابية، ويترافق معها خلق هوية وتيار سياسي محدد ويتم تطوير وبناء برامج وسياسات للاهتمامات العامة والقضايا الرئيسية، والانتقال من التموضع والترويج لدى مستويات النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى المستويات الجماهيرية والشعبية وخلق قاعدة اجتماعية تؤمن وتناصر أفكار ومبادئ وبرامج الحزب التي تحاكي الفئات العمرية للمجتمع مع التركيز على الشباب لأنه ثلثي المجتمع.
ومعظم الأحزاب الحالية تتعامل بخلط وحرق هذه المراحل والقفز عنها.

٢. الحوكمة الادارية والمالية للعمليات والمعاملات وتعزيز النزاهة والشفافية، وإيجاد وحدات مالية وإدارية في الفروع، وإدخال الأتمتة والرقمنة وحتى ادماج التحول الرقمي تدريجيا في تنظيمها واجتماعتها وأدواتها المختلفة.

٣. تطوير أساليب ومحتوى الاتصال السياسي والخطاب الحزبي على أساس برامجي انطلاقا من تحديد لون وتيار سياسي وجذر فلسفي تبنى منه وعليه برامج وسياسات الحزب في القضايا الرئيسية للمجتمع والدولة، مع الاخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة وقضاياها وهمومها، فمشكلة التعليم والصحة في الطفيلة ومعان تختلف عن بعض مناطق عمان، أو إربد، فلكل منطقة ثقافتها والخطاب الحزبي يجب أن يراعي هذه الفئات مع الحفاظ على الجذر الفلسفي لبرنامج الحزب.

٤. الإعلام الرقمي والتقليدي وهو الرافعة الأساسية للعمل الحزبي وانعكاس للمجالات أعلاه بخطط منهجية، والذي يحدث الآن هو فقاعات إعلامية حزبية دون محتوى - ودون أثر وقد يكون أثرا سلبيا- ، وضرورة وجود محتوى يراعي تطور المراحل أعلاه وما يرافقها من منهج تسويقي وترويجي و براندنج Branding ابتداء من إثارة الوعي بأهمية العمل السياسي وضرورة المؤسسات الحزبية، مرورا بترويج وترسيخ سياسيات وبرامج الحزب إلى مستويات متقدمة لبناء قواعد جماهيرية وشعبية ومناصرين.

هذه المراحل أعلاه يجب أن تتم وتتطبق قبل موسم الانتخابات البرلمانية بعد القادمة في العام ٢٠٢٨ ، والتي لها خصوصيتها وأهميتها وترتيباتها ومجالها الأوسع التي تتجذر فيه الثقافة الحزبية، بناء على المراحل السابقة.
و الأحزاب الأردنية المختلفة ذات التيارت والتوجهات المتباينة يجب أن تحترم بعضها، وأن تحترم حقها في العمل تحت مظلة الدستور والقوانين السارية، ولا يتم تخوينها، وتختلف سياسيا واقتصاديًا وفكريا وبرامجيا وتتفق على رفعة ومصلحة الوطن.

على الأحزاب أن تصبر وتصطبر حتى تبني وتنظم نفسها داخليا، التي تحتاج إلى سنوات ثم تنطلق الى الخارج وتتفاعل مع المجتمع وتندمج مع قضايه وهمومه بمراحل وخارطة طريق، فكيف بمنافسة غير نزهيهة وغير بريئة.


تابعوا نبأ الأردن على