عبد الله غل: الغنوشي لا يستحق أن ينسى خلف القضبان
نبأ الأردن -
قال الرئيس التركي السابق عبد الله غل -في مقال نشره موقع "بروجيكت سينديكيت"- إنه يشعر بالواجب باعتباره رئيسا سابقا تحدث ضد الاضطهاد السياسي، للفت الانتباه إلى محنة السياسي التونسي المسجون راشد الغنوشي.
وتابع غل في مقاله بأن حبس الغنوشي كان من المفترض أن ينتهي هذا الصيف إلا أن تمديده مرجح، وهذا احتمال مؤلم لأي مؤمن حقيقي بالديمقراطية، فقد خدم الغنوشي وطنه وشعبه بكل احترام، ولا يستحق أن يُنسى خلف القضبان.
وأشار إلى أن تونس بعثت -عقب ثورة الياسمين– برسالة واضحة إلى العالم بأن الديمقراطية ليست شكلا من أشكال الحكم يقتصر على الغرب، وكان وراء هذه الرسالة رجل حكيم وقدوة للجميع بإخلاصه للمبادئ الديمقراطية والتسامح، ألا وهو الغنوشي مؤسس وزعيم حزب حركة النهضة.
مؤمن بالتعايش
وأكد الرئيس التركي السابق أن الغنوشي مثقف يؤمن بإمكانية التعايش بين الأشخاص والجماعات المختلفة بشكل عميق، وهو أيضا عالم دين شجاع سعى إلى تقديم تفسير معاصر للفهم الإسلامي يتميز بالتزام واضح بقيم الحرية والديمقراطية، وكان منذ فترة طويلة مدافعا شجاعا عن حقوق المرأة بالمجتمع والاقتصاد والمؤسسات الدينية.
وأوضح غل أن هذه المبادئ جعلت من الغنوشي زعيما سياسيا مثاليا في تونس وفي جميع أنحاء العالم، لكنها لم تجعل حياته سهلة فقد سُجن في الثمانينيات قبل أن يقضي 22 عاما بالمنفى في أوروبا.
وعندما أطيح بالرئيس زين العابدين بن علي عام 2011 -يتابع غل- عاد الغنوشي إلى وطنه ورُحب به على الفور باعتباره السياسي الأكثر شعبية في البلاد.
وفي تلك المرحلة، كان بوسعه أن يسلك الطريق السهل، كما فعل العديد من معاصريه، من خلال شن حملات انتخابية تعتمد على الشعبوية، وتأمين مكانة "النهضة" باعتبارها الحزب المهيمن، ومواصلة أجندته السياسية المفضلة دون أي تنازلات.
وأضاف أن الغنوشي بدلا من ذلك، جازف واختار المسار الذي نادرا ما يتم اختياره بالمنطقة، حيث حرص على التوصل إلى تسوية مع الآخرين وبناء تحالفات واسعة ومشاركة الحكم مع العلمانيين والديمقراطيين الاشتراكيين ومجموعات أخرى.
صاحب رؤية سياسية
قال غل إنه كلما اندلعت أزمة سياسية أو اجتماعية جديدة، كان الغنوشي يتحدث باستمرار عن دولة تكون فيها "السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية منفصلة، ويكون فيها حكم القانون هو الأسمى، وتضمن حريات الضمير والتعبير وتكوين الجمعيات". وكان يعلم أن تكرار أخطاء الماضي المتمثلة في حكم الحزب الواحد لن يوفر السلام والاستقرار المستدامين للتونسيين.
وأبرز أنه نظرا للنهج البصير والشامل الذي عزّزه الغنوشي، حصلت اللجنة الرباعية للحوار الوطني (مجموعة من منظمات المجتمع المدني ساعدت في صياغة دستور ديمقراطي جديد) على جائزة نوبل للسلام عام 2015، وقد اعتمدت تونس دستورا يرقى لأن يكون نموذجا لبقية المنطقة.
وحسب الكاتب، نجحت الركائز الأساسية للمجتمع التونسي -العلمانيون، الليبراليون، الإسلاميون، اليساريون- في التوصل إلى تسوية صعبة ولكنها واسعة النطاق لصالح التعددية والحرية، وقد كانت لحظة غير عادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم الإسلامي الأوسع.
وأشار غل إلى أن القصة التونسية لم تنته كما بدأت، فقبل 3 سنوات، علق عمل البرلمان المنتخب ديمقراطيا الذي كان الغنوشي رئيسا له، ثم ما لبث أن حُل ثم أقيلت الحكومة.
مفترق طرق
وبعدها ألقي القبض على الغنوشي في أبريل/نيسان الماضي، وحُكِم عليه بالسجن لمدة عام في مايو/أيار. ومؤخرا، قضت محكمة على الغنوشي بالسجن 3 سنوات إضافية، فيما يبدو أنه محاولة لإطالة فترة حبسه تعسفي، هكذا يشرح الرئيس التركي السابق.
وقال غل إن تمديد سجن الغنوشي، البالغ من العمر 82 عاما، يدمر الرسالة الملهمة التي أرسلتها تونس إلى المنطقة والعالم مع ثورة الياسمين، لذا يحتاج التونسيون إلى تعزيز التحول الديمقراطي الذي بذل الغنوشي الكثير لتحقيقه، وليس عكسه، وتونس بحاجة إلى المزيد من المشاركة وليس المزيد من ضيق الأفق.
وأشار الكاتب إلى أن محاكمة مثل هذه الشخصية السياسية المعتدلة، في مجتمع إسلامي، لا تبشر بالخير بالنسبة للجهات السياسية الفاعلة الأخرى التي تدافع عن مُثُل مماثلة للتعايش والتسامح.
وعبر عن أمله أن ينتهي احتجاز الغنوشي قريبا حيث ستكون هذه لفتة قوية لتونس، البلد الذي جسّد تقليديا روح الحرية والتسامح والإرث الثمين للعالم الموسوعي والمفكر ابن خلدون.
يُذكر أن "بروجيكت سينديكيت" مشروع منظمة دولية غير ربحية مؤلفة من اتحاد للصحف، وتعنى بالتحليلات ومقالات الرأي التي يكتبها الخبراء والناشطون، ومقرها براغ بجمهورية التشيك.