د.موسى بريزات يكتب : حماس والاختبار الأصعب
دفع الأداء العسكري المقبول الذي أبدته فصائل المقاومة في المواجهة الأخيرة مع قوات الاحتلال هذه الفصائل سيما حماس ليس فقط إلى الواجهة سياسياً بل إلى مقعد القيادة والسيطرة في مسار العمل الوطني الفلسطيني، وساعد في ذلك وساهم فيه بشكلٍ كبير التلاحم الرائع الذي تحلى به الفلسطينيون في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر وغزة .
لكن الزمن الذي سبق لحماس وحلفهائها لتبقى في هذا المقعد غير معلوم؛ فقد يطول أو يقصر . ويعتمد ذلك على الكيفية التي ستقود بها هذه الفصل وخاصة حماس دفة الامور في مرحلة ما بعد المواجهة العسكرية، سواء طالت الهدنة الحالية او قصرت.
فالمهمة التي تنتظر حماس في الأيام القادمة لا تقل صعوبة عن هذه المواجهة العسكرية مع هذا العدو الشرس، لا بل قد تكون مهمة التعامل مع متطلبات ما بعد الحرب أصعب وأكثر تعقيداً .
فآلة الحرب الإسرائيلية يصاحبها آلة سياسة وأمنية وإعلامية لا تقل شراسة وكفاءة وقوة عن الآلة العسكرية .
كما أن الشعب الفلسطينية ينتظر نهجاً وفلسفة مقاومة سياسية وإعلامية لا تقل فعالية عن آلية المقاومة وقادرة على مواجهة الآلة الإسرائيلة الصيهونية اليهودية السياسية والإعلامية الحالية.
فقد يتغير خراج الأصدقاء وحتى الحلفاء والمتعاطفين والأنصار ضد الفصائل الفلسطينية بمن فيها حماس وبسرعة . فالخصوم من الإقليم وفي الإطار الفلسطيني والعربي تحديداً انحنوا الى العاصفة لكنهم سرعان ما سيعودوا بعداوتهم للمقاومة وحقدهم ضد الاسلام والسياسة والاخوان المسلمين .
كما أن اسرائيل سوف تطور من وسائل وأدوات مواجهة المقاومة السياسية والعسكرية والأمنية والنفسية …
ومثل ذلك فإن التعاطف العالمي مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ومعارضة الاحتلال الممتد وطويل الأمد وسياسيات إسرائيل التوسعية والعنصرية قد يتراخى وحتى يتلاشى ربما بصورة أسرع من تلك التي تشكل بها خلال المواجهة الأخيرة؛ ثم وإن استمر هذا التعاطف لفترة أطول فسوف تكون قدرته على التعبير عن ذاته محدودة بسبب تحكم الطرف الآخر بكثير من الآليات التي قد يعمل بها لا سيما سياسات الدول الخارجية وعلاقاتها باسرائيل والمنظمات الدولية المعنية بالأمن والسلم الدوليين وحقوق الانسان والعون الانساني .
لتلك الاعتبارات وغيرها والتي تعيها حركة المقاومة الإسلامية وفصائل المقاومة الاخرى جيداً لا بد أن تطور هذه الفصائل رؤية غير تقليدية وخطط عملية تتسم بالعمق والمرونة والأهم الواقعية وبسرعة.
فإلى جانب الاهتمام بمسألة اعادة تعمير وبناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية ومعالجة الآثار المادية والانسانية للتدمير المنهج الذي وقع لا بد أن تلتفت حماس وحلفائها الىا لاطار الجيوساسي الأوسع والذي تشكل بفعل الصمورد العسكري والتلاحم الوطني اللذين أظهرهما الفلسطينيون في مواجهة الهجمة الصهيونية الشرسة على القدس وسياسات الفصل العنصري الممتدة ضد الفلسطينيين في عموم أرض فلسطين التاريخية .
فالانجازات التي تحققت عن مختلف المستويات والصعد الوطنية والعربية/ والإسلامية والدولية بقدر ما تمثل فرصة للارتفاع أسهم المقاومة وحركة حماس جماهيرياً فإنها تشكل تحدياً قد يتحول إلى عبء إذا لم تحسن هذه الفصائل وحلفائها إدارته .
والحقيقة أن الأرضية ممهدة لكل الاحتمالات لذلك فإن ما هو متوقع من حماس وحلفائها هو التحرك بسرعة لبناء مجتمع سياسي فلسطيني تعددي في كل فلسطين ولكل الفلسطينيين بعيداً عن الفئوية والحزبية والانقسامات الساسية والعقدية حتى يكون هذا المجتمع السياسي التعددي هو الحاضنة الدائمة والرافعة القوية للعمل الوطني الفلسطيني والنضال الفلسطيني السياسي والعسكري والأمني .
فالركون الى الشعور الوطني الجارف لدى فئات الشعب الفلسطيني لا يكفي . فلا بديل عن تأطيره ومأسسته ليس في جزر تنظيمية معزولة ينتهي بها المطاف منافسة بعضها البعض والاختلاف إلى درجة النزاع والكيد لبعضها البعض .
فالانجاز الذي تحقق فلسطينياً جاء بالدرجة الأولى بعد التدبير والتخطيط والعمل الأمني والتسليحي الدؤوب عندما تولى الفلسطينيون – خاصة جيل الشباب منهم زمام الأمور في إطار تجسدت فيه :
أولاً: الوحدة الفلسطينية بعيداً عن الانتماءات والارتباطات التنظيمية ووالولاءات الأيدولوجية والعقدية التي تجتاح الساحة الوطنية الفلسطينية بشكل كبير .
وثانياً: الجمع بين النضال الجماهيري السلمي الجريء والمقاومة بشقيه العسكرية والسياسي وبشكل متوازن بعيداً عن القادات الكبيرة وعن وسادة القرارات الدولية التي على أهميتها تبقى حبراً على ورق بدون قوة تترجمها إلى واقع واتكأ عليها العجز العربي اولاً ثم الفلسطينيين لاحقاً منذ اوسلو.
فعلى حماس ان لا تسعى -ولا أخالها أن تفعل ذلك - إلى أولجة المجتمع الفلسطيني دينياً وأن تكون قوة وطنية مهينة على أهمية ذلك بل أن تعمل لتكون جزءاً من كل . والكل هو الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وتياراته وتجمعاته ، وأن تكون الكلمة النهائية للعشب الفلسطيني التي عليه بلورتها وتحريرها عبر تعددية سياسية حقيقية .
فهذا درس لم تتعلمه منظمة التحرير الفلسطينية والفيصل الأقوى فيها حركة فتح التي ناضلت لتكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطينية وخسرت كل شيء من أجل ذلك ومعها الشعب الفلسطيني وعندما بلغت ما أرادت وقعت في الفخ الإسرائيلي عبر اتفاق اوسلو ، والكل يدرك النتيجة الآن مأزق فتح .
فإغراء قوة التنظيم وإقصاء الآخرين واحتكار الحقيقة ثم التمسك ببقاء الحركة أو التنظيم او الحزب بأي ثمن حد التضحية بحقوق الشعب الوطنية هو مقتل يجب أن تتلافاه حماس وحلفاؤها .
أما الركيزة الثانية الاستراتيحية فاعلة ورؤية ثابتة هي كيفية التعامل مع مسألة الحل السياسي – للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي .
فأي نزاع عسكري لا بد أن يكون له بعد سياسي أولاً ثم يجب أن ينتهي إلى طاولة المفاوضات حتى لو سحق طرف الطرف الآخر، واعتقد أن هذه النتيجة غير واردة في المدى المنظور على الأقل في هذا النزاع .
لذلك يتوقع أن يفيد حماس صياغة رؤيتها وتصورها لكيفية حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي بعيداً عن اوسلوا ومن يمثل هذا النهج ، وكذلك التحرك بسرعة والتحوط أن تقفز مجموعة اوسلوا لملء الفراغ السياسي الناجم عن غياب الصراعات السياسية بين هذه الحركة وحلفاؤها والأطراف المنخرطة في ما يعرف بعملية السلام.
فالمتوقع أن لا ترفض حماس فكرة السلام بل تسعى لإنارة تعريفها ووضعها على المسار الصحيح والمتوازن . وهنا قد تدرك حماس أن السلام ليس ملكاً لوحدها بل للشعب الفلسطيني ، ولذلك عليها أن تعمل – ولا أعطي أي طرف دروساً في التفاوض – انطلاقاً مما تقرره أغلبية الشعب الفلسطيني في إطار المجتمع السياسي الديمقراطي التي عليها السعي وبشكل جاد وحثيث لإقامته ، وربما ويسعفها هنا أن تسعى لتسوية سياسية وليس لحل تاريخي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى أساس أن الطرفين الفلسطيني واليهودي ( مع الفارق في مشروعية الموقفين ) يجب أن يعتبر مبدأ الحل الوسط المتوازن ؛ اذ لا يمكن الحديث عن حل عادل في ضوء طبيعة الادعاءات الصهيونية المدعومة بالقوة والحق الفلسطيني في عدم توفر القوة اللازمة للدفع به .
ومبرر هذا الحل الوسط هو وجود يهود ولا جزء بسيط سيستمرون يدعون باسرائيل الكبرى ويعتبرون - ولو بهتاناً وزوراً - فلسطين أرض المعياد مثلما أن من حق فلسطين أن يتوقع ويتمسك بحقه في فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر وبالتالي تطبقا كاملاً للقرار الأممي رقم (194) والذي ينص صراحه على حق العودة.
لذلك قد يبدوا موقف حماس منطقياً إذا ما تم صياغته في أطر وطنية ديمقراطية شاملة وليس حزبية تنظيمية محدودة وعلى أساس الحل الوسط المتوازن والذي يشمل:
إنهاء الاحتلال الاسرائيلي والانسحاب التام من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م ، بما فيها القدس .إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة تامة على الأراضي الفلسطينية التي سيتم إخلاؤها وتكون عاصمتها القدس التارخية بحدودها المعروفة .عدم الاعتراف بيهودية الدولة التي يطالب بها نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف .عدم التخلي عن حق العودة باعتباره حق شخصي لكل فلسطيني وأن يتم تأجيل تطبيقه مرحلياً في إطار الحل التاريخي للنزاع .عدم توقيع معاهدة السلام والاكتفاء بإنهاء حالة الحرب وربط التطبيع وإنهاء النزاع بتطبيق حق العودة وما جاء في نص قرار الأمم المتحدة رقم (194) .عدم التخلي عن ملاحقة القادة الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية .
أخيراً إن مثل هذا التصور يجب أن لا يكون روية لحماس بل للشعب الفلسطيني وأن تكون إجابة حماس للسؤال حول مفوهمها للسلام مع إسرائيل أن الشعب الفلسطيني هو من يملك الإجابة على هذا السؤال وليس أي فصيل فلسطيني .