ميسر السردية تكتب:سمية وفراخها
نبأ الأردن -
منذ أشهر لم ألتق صديقتي سمية، سمية من بني مرة، سبق وكتبت عنها في صفحتي هذه، مستغربة حينها عدم معرفتها اسم رئيس الوزراء، بل لا تهتم بالأخبار الرسمية عامة، تتابع المسلسلات ، وبرامج الطبخ التي لا تطبق منها طبخة واحدة.
كنت في مشوار قريب من حارتها، شدني اخضرار الخبيزة على عربة في الرصيف المقابل، عبرت صوبها، فوجدت منذر زوج سمية هو صاحب بائع العُشبيات، سلام كلام، متى تركت العمل على سيارة الغاز وغيرت الصنعة؟! لم اترك العمل، لقد استلم ابني ورد مكاني.. ماشاء الله، معقول كبر ورد بهذه السرعة؟!.. صار شحط أطول مني، بنقلّب رزقنا، زمان ما مريتي عندنا، طيب، ضع لي أربع ضمم خبيزة وتشكيلة من باقي الأشياء، أخذها بعدما أعود ، سأذهب لرؤية أم ورد ساعة زمن.
سمعت صوت قناة الجزيرة قبل طرق الباب، فاع صغار سمية كالفراخ من تحتها،راحوا يتفرسون في وجهي، ناولت الصغار كيس السكاكر، وقلت، هاه، صوت تلفازك يرقع خارج الدار، تشاهدين الأخبار إذن، ما إن نطقت حتى راحت سمية تشتم أمة العرب من غربها لشرقها، من كبيرها لصغيرها، صرت على اسنانها وهي تضع ابريق الشاي على الغاز، وربي لو أمسك تبع إسرائيل و تبع أميركا غير افرمهم فرم، تقصد بايدن ونتناياهو، دخلك قولي لي ليش مسكرين عليهم باب رفح؟! ما ظل حدا يخاف الله؟! ناولتني كباية الشاي، ثم جاءت بطاسة فيها بطاطا مسلوقة، كانت تقشر وتتحدث عن كل ماترى من مصائب على الشاشة، زحف طفلها الأصغر، أمسك حبة والتفت صوبي وناولني الحبة قائلاً "دُنبلة"، تبسمت له، استفسرت من أمه عما يقصده الصغير؟ قالت يقول لك قُنبلة، كل يوم يلعب مع إخوته ويقصفون بعضهم البعض،بالخضار والمخدات على أنها صواريخ وقنابل.
خرجت أحدث نفسي، هذه ليست سمية صديقتي القديمة، التي كانت لا تشاهد غير المسلسلات، ولا تطرب إلا لسماع دق المجوز،ولا تعرف أعضاء الحكومات، ولا تقارير ديوان المحاسبة، ولا التحزب والإصلاح السياسي. هذه سمية الغاضبة، التي غيرتها الحرب، فتماهت مع عمق الجرح النازف في غزة، صارت تعرف كل اسماء المحللين على الشاشات، وتحصي عدد القذائف،وتنتظر طلة الملثم على نار. تستيقظ وتغفو، على كل صرخة تنثر الرمال المروية بالدماء في وجوهنا البائسة ،والواجمة في صندوق الوجع والعجز.
"لاسمح الله" ياصديقتي..