التوجيهي بين زغاريد الفرح وكَدَر العيارات النارية
نبأ الأردن -
ينتظر الآباء كل عام حصاد أبنائهم في آخر مراحل دراستهم الأساسية ليعبروا بها إلى التعليم العالي أو المهني وإكمال عملية صقلهم ليكونوا عونا لبلادهم وأمتهم، وعلى مر تاريخ الثانوية العامة تنوعت الاحتفالات والبهجة بالنجاح من محيط الأسرة الصغير إلى فضاء إلكتروني أرحب.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) رصدت طريقة فرح الأبناء وأولياء أمورهم بالنجاح في امتحان الثانوية العامة وطريقة حصولهم على النتائج.
وتشير الأرقام إلى أن عام 1934، أي قبل 89 عاما، كان عدد خريجي الثانوية العامة 11 طالبا -بحسب كتاب عهد الإمارة للدكتور علي محافظة- ليصل اليوم عدد الخريجين في عام 2022 إلى 116 ألفا و773 طالبا.
ولكن ما ينغص الفرح بالنجاح في الثانوية العامة، هو تلك الممارسات التي ترافق إعلان النتائج، مثل إطلاق العيارات النارية في الهواء أو السير بمواكب في الطرقات وتعطيل حركة السير والحياة العامة، لكن في المقابل هناك مظاهر فرح جميلة تتمثل بالزغاريد وتوزيع الحلوى أو الاجتماع على طعام الفرح، والبون بين هذه وتلك شاسع جدا.
وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي الأسبق الدكتور وليد المعاني يقول إن امتحان التوجيهي في السنوات الغابرة كان كأي امتحان آخر، ولم تكن هناك أجواء احتفالية حينها مثلما يحدث الآن، والتي تمتد في أكثرها إلى منتصف الليل، وعلو أصوات زامور السيارات واستخدام العيارات النارية.
ويشير إلى أنه لم يكن في ذلك الوقت جامعات في الأردن، فكان بعض أولياء أمور الطلبة الأغنياء يرسلون أبناءهم إلى الجامعات اللبنانية، بيد أن العديد من الناس كانوا يرسلون أبناءهم إلى دمشق وبغداد ومصر لأن الرسوم كانت أقل تكلفة.
وأضاف أنه في عام 1962 افتتحت الجامعة الأردنية، كما افتتحت كلية الطب في عام 1972، وكان هناك 40 مقعدا متوفرا للطلبة المتفوقين ممن حصلوا على أعلى معدلات في امتحانات الثانوية العامة.
ويستكمل حديثه قائلا: لقد كان معدل الأول في الثانوية بحدود التسعينات، وامتحانات التوجيهي كانت آنذاك تحوي على أسئلة موضوعية كتابية يصعب الحصول على علامة كاملة فيها.
ويستذكر في تلك الأيام حال إعلان نتائج التوجيهي، فكان يتم إصدار طبعة مسائية للصحيفة اليومية ذات أربع أوراق تحوي أسماالباحث والأديب نايف النوايسة، قال" لقد عرفنا في حياتنا المدرسية التي امتدت إلى 12 سنة ثلاثة امتحانات عامة، وكانت تسمى (المترك)، وكان الأول هو مترك الشهادة الابتدائية العامة في الصف السادس الأساسي، والثاني مترك الإعدادية العامة في الصف الثالث الإعدادي أو ما يسمى بالصف التاسع، والثالث هو مترك الشهادة الثانوية العامة، وهو الأخير في السنوات الدراسية.
وأضاف: لقد عشت ظروف هذه الامتحانات الثلاثة بما فيها من ضيق وتعب وفرح وإنجاز، ففي سنة 1960 قدمت مترك السادس ابتدائي، وأحسست بلذة النجاح حينما أعلنت النتائج، وانعكست هذه المناسبة السعيدة على الأهل والجوار، وكان أكثر الناس فرحا والدتي التي أطلقت الزغاريد وجهزت لهذه المناسبة بما توفر لديها من أشربة وطعام وحلوى، وربما استمر الفرح لأكثر من أيام، ولم تكن هناك وسائل إعلام لتبث النتائج.
وأضاف أن مترك الثاني إعدادي في سنة 1963 تميز بصعوبته، وحين أعلنت النتائج تم بثها عبر الإذاعة الأردنية، ومن أجل هذه المناسبة اقتنى الكثيرون أجهزة الراديو حتى يسمعوا منها نتائج أبنائهم، وجرت احتفالات بسيطة وحسب المتيسر عند الأهل، وكثير من الطلبة تركوا المدارس بسبب إخفاقهم في هذا الامتحان، بحسب النوايسة.
وأشار إلى أنه في ذلك الوقت كانت أسماء الناجحين تذاع من خلال الإذاعة الأردنية مع أغنية عبد الحليم حافظ "وحياة ألبي وأفراحه"، ويستمر بالغناء مكررا "والناجح يرفع أيده" كما تنشر الصحافة أسماء الناجحين والأوائل مع معدلاتهم.
وبين أن هذه المناسبة تشكل الفرحة الكبرى عند العائلات الأردنية حتى الآن، وتتباهى الأمهات والأخوات بنتائج أقاربهن باعتبارها مفصلا مهما في تاريخ كل أسرة، وأما الميسورون فإنهم يذبحون الذبائح ابتهاجا بهذه المناسبة السعيدة، ولا ينسى النقوط الذي تجمعه النساء في هذه المناسبة، ويشكل جانبا مهما من جوانب التواصل الاجتماعي.
ولفت إلى أنه في هذا الزمان سادت بعض العادات المرفوضة بعد إعلان النتائج مثل إطلاق العيارات النارية والاستعراضات الخطرة للسيارات التي تجوب الشوارع، وهذا يتنافى مع الطبيعة الحضارية المتزنة للشعب الأردني.
ويتذكر النوايسة أن الأهل كانوا يعلقون شهادات أبنائهم وبناتهم في (براويز) داخل المنازل، وكأنها لوحات شرف لهم، وتعد من الإنجازات التاريخية لكل أسرة، وكانت النسوة يتباهين في مجالسهم بعدد الناجحين والناجحات من أبنائهن في التوجيهي.
الباحث والمفكر فراس السرحان، يقول لو عدنا بذاكرتنا إلى نهاية المرحلة الإعدادية، لوجدنا الطلبة مضطرين لدخول امتحان "المترك"، الذي كانت تجريه وزارة التربية والتعليم في جميع أنحاء المملكة تحت إشراف كامل يضم مراقبين وقاعات وأرقام جلوس، والذي يفرض على الطلبة دراسة جميع محتويات الكتاب أو المبحث.
وكان تحصيل شهادة المترك آنذاك هو الشرط الأهم الذي يؤهل الطالب لدخول المرحلة الثانوية، وبناء عليه يتوزع الطلاب حسب معدلاتهم، فيذهبون إلى المدرسة الصناعية أو الكلية الفندقية أو التمريض أو أحد الفرعين الأكاديميين "الأدبي والعلمي"، بحسب السرحان.
وأشار إلى أن امتحان "المترك" كان صعبا للغاية في تلك الفترة، إذ لم يكن هنالك وسائل تعليمية وتقنية كالتي نشهدها هذه الأيام، فكنا نذهب إلى المدرسة مشيا على الأقدام، وكانت وزارة التربية والتعليم تتابع كل صغيرة وكبيرة، كما كانت تقوم بتخصيص يوم لأولياء الأمور، يتقاطع مع اليوم الذي يكون الأهل فيه منهمكين بالحصيد أو الرحيل، فكنا نرافقهم ونكد ونتعب معهم، وكنا نحمل الكتب، ونلتزم بالدراسة رغم صعوبة الحياة.
ويتابع، كنا نستعين بمصابيح بدائية بسيطة ذات ضوء خافت للدراسة ليلا، وكنا نجد صعوبة بالغة في تأمين الدفتر وقلم الرصاص، لدرجة أننا كنا نمحو محتويات الدفتر التي كتبناها خلال هذا العام؛ لاستخدامه مرة أخرى في العام الذي يليه.
أستاذ التاريخ الدكتور علي محافظة أوضح أن ثمة امتحانات دراسية وتقييمات أداء للطلبة في كل بلاد العالم، وفي مختلف المراحل، ففي دول أوروبا المتقدمة نجد أن ثمة اختبارات جادة في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وفي مراحل التعليم العالي التي قد تمتد من سنة دراسية إلى أربع أو خمس سنوات، حتى الوظائف لا يحظى بها إلا من يحصل على معدل أعلى في الامتحانات المنعقدة لطالبي التوظيف؛ مع ذلك لا يحتج أحد على النتائج أو صعوبة الامتحان لقناعتهم بأن الامتحانات هي المقياس الوحيد للكفاءة.ء الطلبة الناجحين، مقابل 25 قرشا.
بشرى نيروخ-بترا