عائشة الخواجا الرازم تكتب: الهبل في التبليط
نبأ الأردن -
انتشر خلال الثلاثين سنة الأخيرة موديل السيراميك والبلاط والجرانيت المصقول اللامع في البيوت والمؤسسات والمدارس، ولم يعد البلاط هذا للجدران والأسقف والفراغات العالية فقط ، لا بل انتشرت ظاهرة تبليط الأرضيات منه ببساطة ودون تمحيص وتفكير وعقلنة ونصح وإرشاد .
باتت هذا الظاهرة القاتلة ، تحصد الأرواح ومخلفة المضاعفات الخطرة عند الناس .
ففي كثير من المنازل والمؤسسات والمدارس ، أصبح تبليط المساحات الفراغية والمداخل والأرضيات والأدراج ( السلالم ) بالسيراميك الناعم
( حضارة وحداثة ) معممة ، وطالت مع الأسف تنافس ربات البيوت العفوي على اختيار السيراميك للجدران والأرضيات وبنفس الملاسة والنعومة ، فيقمن باختيار اللون المتناغم ، دون الانتباه لمضاعفات وخطورة تبليط الأرضيات من نفس الملاسة !!
لقد تفاقم الحال (المفجع ) خلال الثلاثين سنة الأخيرة ، وحسب متابعتي لحوادث الإنزلاق والموت والشلل والكسورالناتجة ، والتي ما زالت تنتج عن عفوية اختيار بلاط الأرضيات ، فإنني أتوقف مشدوهة عند كل مكان حديث البناء وكل مدرسة ومؤسسة ومستشفى وبنك وأتأمل ، ثم أتفكر بكيفية الحفاظ على سلامة الأقدام الماشية على هذه الأسطح الصقيلة ؟ وهل غاب مبدأ السلامة الخاصة والعامة عن المنفذ ؟
الحقيقة أن قشورية وسطحية التنفيذ والتشطيب التي يتمتع بها المصمم أو المهندس أو المشرف ، أو صاحب المكان ، تظهران ( هلهلة ) التنفيذ وتناسبه مع سلامة الإنسان .
أتساءل : من يمكن أن يتوقف عند خلل وخطر التبليط في المدارس الخاصة والمؤسسات والمستشفيات والبيوت ؟
ها هو وكل يوم يحصد التمدن الإنشائي السطحي أرواح أبرياء ، وحوادث قاتلة تمرق بلا دراسة وبلا عودة للأسباب ، ويستمر التبليط الناعم القاتل .
أنا أرى أنه مما يجذب الألم أن المهندسين والمصممين ، حينما يقومون بالتنفيذ والتشطيب ، فإنهم يتعاملون مع المبنى كأنه زينة وديكور ومشهد ينفصل عن الحياة وأقدام البشر .
والمحزن الذي دفعني لطرح الموضوع ، هو أننا قفزنا بقدرة قادر من القفة إلى أذنيها ، ونحن لا ندرك أخطار حضارتنا اللامعة والصقيلة على وجه بلاط سيراميك لا يهنأ به صاحب البيت ، ولا يفرح به صاحب المدرسة أو المؤسسة .
فالكثير من لاحقي الموضة الإنشائية ، لا يكترثون بصفة الحماية والسلامة العامة للإنسان ، ويعتبرون البلاط المطبوب الخشن الواقي والجاذب لأقدام الإنسان لا يسهل تنظيفه ، ولا يتماشى مع ( موضة التشطيب الحضارية اللافتة للجديد )
ويا للخسارة ، كل يوم تتضاعف حوادث الإنزلاق على البلاط الجرانيت والسيراميك ، والذي لا يمكن لأي حذاء مهما كان نوعه أن يتمسمر على البلاط الصقيل ، وكل من يشطب مؤسسته ومدرسته به لا يعرف أن هذا البلاط لا يصلح إلا للتزلج .
قبل أسبوعين وخلال دخول الطلاب للصفوف وعليهم المشي في المداخل المبلطة بالسيراميك أو الجرانيت الناعم ..لا أعلم
..تزحلق طالب في الأول الثانوي وانكفأ على رأسه فورا …! فمن يحاسب هذه المدرسة ، ؟ ومت يقنن مواصفات التشطيب للمدارس وخاصة الأرضيات ؟
أول أمس تزحلق طبيب يوم افتتاح عيادته فما أن مشى بحذائه الصقيل الكعب ، حتى ارتطم رأسه بالبلاط ، وراح مأسوفاً على شبابه ، ويسجل الدفاع المدني حوادث رهيبة بحالات الانزلاق لربات بيوت ولتلاميذ وكوادر ومعلمين ، وموظفي بنوك ومؤسسات دون دراسة أسباب الانزلاق وحصرها وتشكيل النصح والإرشاد لدى المصممين والمهندسين وتجار البلاط بأنواعه ، ودفعهم لاستيراد البلاط الواقي والمناسب للأرضيات .
أعرف أن الموضوع لن يراه القاريء عظيماً ، فكله عند العرب صابون ، لكن الحسرة على الأرواح هائلة عند الذين فقدوا الضحايا ، وأهالي المصابين بالشللل ، والعاهات وانطباش الرؤوس الخارق ، تعفينا من تجاوز مصيبة ( الهبل في التبليط )

























